القولين جائز.
ولسنا ننكر أن يكون أولياء الله في الجنة يرون ربهم لا بتحديد ولا إدراك إحاطة ، وكذلك كان معنى قول مجاهد في أن لا يرى الله أحد ، أي : لا يراه أحد بتحديد ولا إحاطة ، ولكن يراه أولياؤه وينظرون إليه ، نظر مخلوقين إلى خالق ، ينتظرون ثوابه ، ويرون تدبيره ، لا كنظر مخلوقين إلى مخلوق ، لأنه ليس كالمخلوقين. ويجوز أن يقال : نظر إلى من ليس كالمخلوق كما ينظر إلى المخلوق ، وفي الخلق ما لا يرى وهو الروح والعقل ، وما أشبههما ، فلا يقال : إن شيئا من ذلك يرى كما ترى الأشخاص ، فكيف يقال : إنه يرى الله كما يرى الشخص.
وإذا ابتعث الله أولياءه من الأجداث أرسل إليهم ملائكته ليبشرهم بالجنة وينادونهم : قال تعالى : (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف : ٤٣]. وذلك قبل أن يدخلوها وهم ينظرون إلى أن ينيلهم ما وعدهم وما به بشرهم ، فوجوههم يومئذ ناضرة بهجة مشرقة حسنة ناعمة ، تنظر إلى ربها بالحب له والرضى عنه والرغبة إليه ، ينظرون ما يأتيهم منه ما بشرهم به الملائكة ، وإن الله عزوجل ينظر إليهم نظر الخالق إلى المخلوق المطيع الحبيب ، وينظرون إليه بالرغبة فيما لديه نظر مخلوقين محبين إلى خالقهم المحبوب عندهم المنعم عليهم ، نظر معرفة ، لا نظر تحديد وإحاطة ، والله ينظر إليهم ، وقد كان يراهم في الدنيا ، إلا أن نظره هذا نظر ثواب ورحمة ووفاء بما وعدهم ، والمزيد لهم من كل كرامة إذ أدخلهم الجنة ، فلا يزالون ينظرون إليه في جنته بالرضى عنه ، والاستزادة مما عنده من فوائد النعم ، وتحف الكرامات ، مع ما قال لهم عزوجل : قال تعالى : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) (١) [ق : ٣٥] ، أي
__________________
ـ المصدقين أنه لا يراك أحد.
وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس أيضا قال في الآية : أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك. الدر المنثور ٣ / ٥٤٧. وأما عن مجاهد فقد سبقت الرواية عنه في تفسير قوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ).
(١) وقد نقل عن أنس في تفسيرها قال : يتجلى لهم الرب عزوجل. الدر المنثور ٨ / ٦٠٥. وهو قول باطل ، ومعناها ما أشار إليه الإمام. قال الإمام زيد بن علي عليهالسلام في قوله تعالى (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) : ـ