يكونوا : من الذين قال الله : قال تعالى : (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : ٦٠] و : قال تعالى : (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١)) [عبس : ٤١] (١) فلم يكذبوا على ربهم إذ سمعوه عزوجل يقول : قال تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] ، وهذه مدحة لله وحسن ثناء عليه وتعظيم له ، فاستيقنوا أن الثناء والمدح عن الله غير حائل في الدنيا ولا في الآخرة ، وأبصروا بيقينهم في القيامة إلى وجوه ابيضّت ، فهي ناضرة مستبشرة ضاحكة مسفرة ، إلى ربها ناظرة في روح وجنات عالية ، يخبرون فيها بصدقهم عن الله في القول والعمل له ، والموافقة له في الأيام الخالية ، فلذلك وضع القوم كلامهم من ربهم حيث وضع الرب ، ولم يقولوا بغير ما قال الله لهم ، وقالوا : كما قال لهم ربهم إلى ثواب ربها ناظرة ، ولم يقولوا لربها مجاهرة.
وإنما الشيء إذا جوهر نظر إليه بالعيان لا بالوجه ، لأن الوجه غير العين ، ولو كان ما قالوا على ما ادعوا لقال الله في كتابه أعين إلى ربها ناظرة ، لأن الوجه لا يرى ولا يبصر ، وإنما البصر للرؤية والعينين اللتين في الوجه ، فهذه معان لطيفة مفصلات في النظر.
وقد قال إبراهيم الخليل ، لابنه إسماعيل ، صلى الله عليهما : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) [الصافات : ١٠٢]. وليس ذلك رؤية حسّ ، ثم قال : انظر ما ذا ترى ، ولم يرد إدراك العين ولا إحاطة البصر ، في قوله : ما ذا ترى في الذبيح أن يسلم لربه نفسه ، ويجود له بها ، فرأى موافقة أبيه في طاعة ربه بما أمره ، فأمكنه من ذبحه واستسلم لربه ، وليس ذلك النظر بالعين ورؤيتها.
وكان مما احتج به القوم أن قالوا : إن موسى صلى الله عليه سأل ربه فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، وقد بينا ما أراد موسى بقوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، ولم يكن ذلك سؤالا للنظر الذي هو رأي العين ، بالإحاطة والتحديد جهرة ، وقد رأينا الله عزوجل : ذكر في كتابه حدث موسى في قتله القبطي ، وما أخبرنا سبحانه عن آدم صلى الله عليه في معصيته بأكل الشجرة ، وسمعناه عزوجل يذكر في كتابه أحداث
__________________
(١) في جميع المخطوطات : عليها قترة.