أنبيائه معيبا لأحداثهم ، ولم يكن ما عاب من أحداثهم عند الله موبقا ولا كبيرا ، بل كانت أحداث أنبيائه صغائر ، ولم تكن بكبائر ، وكان الله عزوجل يأخذهم في عاجل الدنيا من أجل أحداثهم التي لم تكن بكبائر ، حبس بعضهم في الظلمات في جوف الحوت (١) ، وبمعان ذكر الله عزوجل في كتابه وكيف صنع ببني إسرائيل ، ولم ينجهم من الله إلا النقلة عن صغائرهم والاستغفار بالإنابة والندم ، وقد سأل قوم موسى فقالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) [النساء : ١٥٣] ، ليكون في ذلك مزدجر للآخرين ، وليحذروا مصارع الذين سألوا رؤية الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ، فزجر الله العباد عن السؤال عما يضاهي ما سأل القوم نبيهم صلى الله عليه من رؤية الله جهرة (٢).
فكيف يتوهم أن يكون موسى صلىاللهعليهوسلم ، سأل ربه مسألة القوم الذين أخذوا بالنقم ، لأجل تلك المسألة التي سألوا موسى أن يريهم الله جهرة ، وقد علم موسى أن سؤالهم عن ذلك شرك ، وقد نهى موسى قومه عن معاني الشرك كلها ، ولم يكن صلى الله عليه ليخالفهم إلى ما نهاهم عنه ، لأن مسألة القوم له كفر ، ولا يجوز أن يتوّهم على موسى أن يسأل الله مسألة هي كفر ، ولو كانت مسألة موسى على ما يتوهم المشبهون لنزلت به من العقوبة مثل ما نزل بغيره ، ولغلظ الله عليهم تغليظا يعلم العباد أنه أكبر من الصغائر ، وفي تكفير الله عزوجل الذين قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) إخراج مسألة موسى من معنى رؤية الجهرة ، وإخراجه من جهل القوم بالله.
ويقال لهم : هل يدرك البصر إلا شخصا أو لونا؟
فإن قالوا : لا.
قيل لهم : أخبرونا عن ربكم ، أتقولون إنه لون؟! فإن قالوا : نعم.
__________________
(١) يونس عليهالسلام.
(٢) قال تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) [البقرة / ١٠٨]. وقال تعالى (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) [النساء : ١٥٣].