وأجمع المسلمون على الدعاء إلى الله أن قالوا : اللهم انظر إلينا ، والدعاء على عدوهم أن قالوا : لا ينظر الله إليهم ، وليس ذلك سؤالا منهم له أن لا يراهم ، وذلك أنهم يعلمون أن الله عزوجل يراهم ، ولم يعلموا أن الله ينظر إليهم نظر رحمة ورضى ، وقد علموا أن الله عزوجل يراهم ويرى كل شيء ، وأن الأشياء كلها له جهرة ، وإنما أراد المسلمون بدعائهم الله أن ينظر إليهم : أن يكرمهم ويجود برحمته عليهم.
واعلم أن الله عزوجل إذا مدح نفسه بمدحة لم يزلها عن نفسه في آخرة ولا دنيا ، كذلك قال الله سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣]. فالله لا يزيل مدائحه.
وزعم العماة أن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى (١) ربه حين أسري به تكذيبا للقرآن ، وردا على الرحمن ، واحتجوا بقول الله عزوجل : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤)) [النجم : ١٣ ـ ١٤]. فظنوا أنه رأى ربه ، وإنما ذلك جبريل (٢) صلى الله عليه ، رآه نبي الله على خلقته التي عليها جبل ، ولم يره النبي صلى الله عليهما على تلك الخلقة قط إلا مرتين ، جعل الله ذلك آية بينه وكرامة شريفة عالية ، وذلك قوله عزوجل : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨)) [النجم :
__________________
(١) روى الخطيب البغدادي في تاريخه (٨ / ١٥١ ١٥٢). وابن الجوزي في العلل المتناهية (١ / ٣٠). عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : (لما كنت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة). وأخرج الترمذي وحسنه والطبراني ، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قول الله (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى). قال ابن عباس : قد رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ربه عزوجل. الدر المنثور ٧ / ٦٤٧.
(٢) أخرج أحمد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، في العظمة عن ابن مسعود أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرتين أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق ، وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد ، فذلك قوله : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ، لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى). قال : خلق جبريل. الدر المنثور ٧ / ٦٤٣. وأخرج مسلم ، والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى). قال : رأى جبريل عليهالسلام. الدر المنثور ٧ / ٦٤٩.