١٨]. فأين الله عزوجل من آياته؟! فكيف يتوهم أن النبي صلى الله عليه رأى الله ، والله يقول : (رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ، وليس الله سبحانه بالحواس مدركا.
وتوهموا أن تجلي الرب سبحانه للجبل هو أن بدا (١) للجبل وبرز له بذاته ، من غير أن يكون للجبل من المقام في طاعته ، والمنزلة الرفيعة ، ما لموسى صلى الله عليه ، مع ما اختص الله به موسى بكلامه تكليما ، واستخلاصه إياه بالرسالة ، ثم سأل موسى ومسألته لله أن يراه بزعمهم ذلك ، وكان ذلك منه دليلا ، ثم اختص الجبل الذي لم يكن الله كلمه تكليما ، ولا اصطفاه برسالته فبدا له بذاته وبرز له متجليا ، وخصه بكرامة لم يجعلها لجبريل ولا لميكائيل ولا للملائكة المقربين ، ولا للمرسلين (٢) ، وقد قال الله عزوجل : إن أولياءه غدا ينظرون إليه في جواره ، ليس ذلك النظر إحاطة ولا تحديدا ، بل ينظرون إليه من غير (٣) تحديد ، وذلك النظر أفضل من دركهم.
والدرك دركان ، فدرك هو المشاهدة والملاقاة جهرة.
والدرك الثاني ما يرد على القلب ، وقد أدرك المؤمنون في الدنيا ربهم وعرفوه بقلوبهم ، فلذلك أطاعوه ، وذلك لما أحبوه (٤). ولهم في هذا الدرك سرور ولا نعيب (٥)
__________________
(١) أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ). قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر. الدر المنثور ٧ / ٥٤٥. تعالى الله عن هذا علوا كبيرا!!
(٢) أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن ابن عباس (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً). قال : غشي عليه إلا أن روحه في جسده (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ). لعظم ما رأى (سُبْحانَكَ). تنزيها لله من أن يراه (تُبْتُ إِلَيْكَ). رجعت عن الأمر الذي كنت عليه (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ). يقول : أول المصدقين الآن أنه لا يراك أحد. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ). يقول : أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك. الدر المنثور ٧ / ٥٤٧.
(٣) سقط من (ب) : غير.
(٤) سقط من (ج) : لما. وفي (أ) : وذلك ما أحبوه.
(٥) في (أ) : ولا يعيب ، وفي (ب) : لا بعيب ، الباء مهملة إلا أن الكمبيوتر لا يكتب الباء إلا معجمة ، وكذلك بقية الحروف المعجمة. وفي (ج) : ولا يغيب. وفي (د) : لا يغيب ، وما أثبتّ اجتهاد والله أعلم.