ثم زعموا أن الله تبارك وتعالى ، رضي بذلك وأراده وأحبّه ، (١) وأنه لا يرضى أن يعبد من أرضاه أن يكفر به ، (٢) تكذيبا بقول الله وردا عليه إذ يقول : (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧]. ويقول : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥)) [البقرة : ٢٠٥]. فتعالى الآمر بالعدل والاحسان ، أن يكون راضيا بالمنكر والعدوان ، لأنه لا يريد الظلم (٣) لأنه عدل ، ولا يريد الفساد لأنه مصلح ، ولا يحب المنكر لأنه حكيم حاكم بالحق.
وقال سبحانه ردا على من زعم أن الله أراد الكفر والظلم ، فقال سبحانه : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [غافر : ٣١]. وقال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥]. وقال : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...) (٤) إلى قوله : (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧)) [النساء : ٢٦ ـ ٢٧]. فأخبر أنه يريد أن يبين لنا ويهدينا ، وأن الشيطان يريد خلاف ذلك بنا. إذ كان سبحانه ناظرا رحيما بنا ، وكان الشيطان عدوا لنا مبغضا ، فلا يكون الناظر لنا يريد بنا عدوانا. وقال : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨)) [الصف : ٨]. وقال : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال : ٦٧]. وقال : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨)) [النساء : ٢٨]. في آي كثيرة ، ولو لا طول الكتاب ذكرتها ، وفيما ذكرنا كفاية. والحمد لله.
زعمت القدرية : أن العباد ما شاءوا شيئا قط ، ولا يريدون شيئا ، والله هو المريد
__________________
(١) في (د) : وأوجبه.
(٢) كذا في جميع المخطوطات : وقد استشكل العبارة في (أ) وقال : كذا. والمعنى أن الله لا يرضى أن يعبده الذين قد رضي أن يكفروا به.
(٣) في (ب) و (د) : الظلم ولا يشاؤه.
(٤) تكملة الآية : (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ).