فإن زعموا أن السنة لم تزل من لدن آدم إلى يومنا هذا ، فقد كذّبوا كتاب الله ، لقول الله تبارك وتعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٦]. وقد حرم الله على بني إسرائيل الصيد يوم السبت ، وأحل لنا ، وقد حرم الله عليهم الشحم وأحل لنا ، لقول الله سبحانه : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) [آل عمران : ٤٦]. أفلا ترى أن عيسى حلّل لأمته الذي حرم موسى على أمته.
فإن زعموا واحتجوا بقول الله : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧)) [الإسراء : ٧٧]. ثم قال : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٥٥] أي : بالدعوة ؛ لأن دعوة الأنبياء واحدة ؛ لأن كلهم دعوا إلى طاعة الله ونهوا عن معصيته ، غير أن في الشرائع لكل أمة شريعة ، وأحل لأمة ما حرم على غيرها ، محنة من الله وامتحانا ، مع أن الأئمة من آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الصفوة بعد الصفوة ، لذلك ورث حسين الإمامة ، لأنه كان خير أهل زمانه ، مع ما كان فيه من الدلائل في نفسه ، والآثار من نبيه ، وإجماع الأمة على أنه خير أهل زمانه ، وهو وأخوه (سيدا شباب أهل الجنة) ، (١) فهل يكون لأحد أن يتقدم على من هو خير منه؟! فالإمامة لا تكون إلا لخير أهل الأرض ، يستبين للناس فضله وزهده وعلمه ، وإنما الإمامة نقلة وصفوة وخيرة ، ولم تزل كذلك من لدن آدم ، تنقل من صفوة إلى صفوة.
ولو أن النبوة والإمامة كانت وراثة لم تخرج (من اليمن إلى غيرها ، إذ كان هود نبيا ، كان يحيز (٢) الأمر في ولده ، فلم يخرج) الأمر منه (٣) إلى غيره ، لكن (١) إنما هي صفوة
__________________
(١) رواه الإمام الهادي في العدل والتوحيد. / ٦٩. مرسلا ، وأبو عبد الله العلوي في الجامع الكافي ، ورواه الإمام أحمد بن سليمان في حقائق المعرفة / ٢٣٣ ، وابن عساكر في ترجمة الحسن / ٧٨. والحاكم ٣ / ١٨٢ ، برقم (٤٧٧٨) و (٤٧٧٩) و (٤٧٨٠) ، والبيهقي في السنن الكبرى ٥ / ١٤٩ ، برقم (٨٥٢٧) ، وأبو يعلى ٢ / ٣٩٥ ، برقم (١١٦٩) ، والطبراني في الكبير ٣ / ٣٥ ، برقم (٢٥٩٨) و (٢٥٩٩) و (٢٦٠٤) ، والترمذي برقم (٣٧٠١) و (٣٧١٤) ، وابن ماجة برقم (١١٥) ، وأحمد برقم (٥٦٨) و (١٠٥٧٦) و (١١١٦٦) و (١١١٩٢) و (١١٣٥١) و (٢٢٢٤٠) و (٢٢٢٤١).
(٢) في نسخة : يصير. أشار إليها في : (ب) و (د).
(٣) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين سهوا. وفي نسخة : منهم إلى غيرهم. أشار إليها في : (ب) و (د).