[آل عمران : ٤٦]. وقال تبارك وتعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون : ٥٠]. لأنه لم يكن في ولد آدم خلق (١) مثله ، خلق من غير أب ، ولم يقل : إن صاحبكم(٢) آية منه مع أنه يستبين (٣) من صاحبكم للناس خلاف ما استبان من عيسى ويحيى وهما نبيان ، فتحتجون علينا بحجة الأنبياء ، وتساوون أصحابكم بالأنبياء ، ونرى (٤) أفاعيلهم خلاف أفاعيل الأنبياء ، إذ أخذوا التّقيّة من المخلوقين دينا ، وهذا يحيى بن زكرياء لم يخف غير الله ، ولم يدار في دينه ، استبقاء على بدنه ، حتى قتل صلى الله عليه ، ومع أن يحيى لم يلبس اللّيّن ، ولم يأكل الطيب ، وكان باكيا آثار الدموع بخديه ، حتى مضى إلى الله،صلىاللهعليهوسلم.
وهذا عيسى بن مريم تكلم في المهد صبيا ، لم يحبس كلامه تقية على نفسه ، وكان يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله ، فينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله ، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ، وكان يحيي الموتى بإذن الله ، وكان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، لم يتق أحدا من خلق الله ولم يراقبه ، وكانوا يقولون : ساحر مجنون كذاب كاهن. فلم يسعه كتمان ما جعل الله فيه بما عاين من تكذيب الخلق له ، مع أن فعل عيسى بان من فعل صاحبكم.
وليس كل الأنبياء ولوا حكم الأمة ، وإنما كان بعضهم نبي نفسه ، وبعضهم نبي أهله، وبعضهم نبي أهل بيته ، وبعضهم نبي قرابته ، وبعضهم نبي قومه.
وليس حكم الأنبياء كحكم غيرهم ممن دونهم ، مع أنه قد مضت سنة بني إسرائيل ، وهذه سنة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
__________________
(١) سقط من (ب) و (ج) : خلق.
(٢) في (ب) و (د) : وأمه وآية.
(٣) في (ب) و (د) : مع أنه سيبين. وهذا كما ترى إثبات. والذي في (أ) و (ج) : مع أنه لم يستبن ، نفي. فالمعنى على النفي رغم أن كلمة (خلاف) ثابتة في جميع النسخ إلا أني أرى أنها زائدة مع النفي ، فيصبح المعنى : ولم يستبن من صاحبكم للناس ما استبان من عيسى. ليصح التفريق بينهما. أما مع الإثبات كما في (ب) و (د) : فالمعنى كذلك أيضا. والله أعلم بالصواب.
(٤) في (ب) و (د) : وترى.