الاستماع ، وعليك بالنصفة ، وإياك والظلم ، ومكابرة العيان ، ودفع الضرورات والمعقولات ، أجبك عنه ، وبالله أستعين وعليه أتوكل ، وهو حسبي ونعم الوكيل).
فيسأله الملحد عن الأدلة التي يعتمد عليها في إثبات الصانع ، فيجيبه الإمام بآيات قرآنية مثيرة لدفائن العقول.
ثم انطلق من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) [الحج : ٥ ـ ٦]. إلى مناقشة كون النطفة جسما ، والجسم مكونا من عرض وجوهر ، وهو محدث ، وكل محدث يحتاج إلى محدث قديم وهو الله ، الذي يخالف الأكوان ولا يشبهها في شيء منها ، وإلا كان مثلها ، ودليل القديم والمحدث مشهور ومعروف عند المتكلمين (١).
وكذلك تطرق إلى دليل الموجود والمعدوم ، أو الممكن والواجب ، وهو دليل فلسفي معروف هو الآخر (٢) ، ويقوم على فكرة أن العالم جائز الوجود ولذلك فهو محدث ، والله عزوجل واجب الوجود ولذلك فهو قديم.
وهذا يدل على تمكن الإمام القاسم من معرفة الفلسفة القديمة وهضمه لها هضما جيدا ، وأن كثيرا من أدلتهم في الميتافيزيقا وإثبات الغيبيات دخلت العالم الإسلام وعرفها وأعاد صياغتها مرة أخرى في إطار المنهج الإسلامي.
ويعترض عليه الملحد بأن فريقا من الفلاسفة لا يرى حدوث الأعراض (الأحوال) في اصطلاح الإمام ، ويتناول الحجاج عليه وينطلق منه إلى الحديث على الشيء ، وكون
__________________
(١) انظر إرشاد الجويني / ٢٨.
(٢) انظر مناهج الأدلة لابن رشد / ١٤٤.