القديم شيئا ، وشيئية المعدوم ، وهي أشياء في صميم الجدل الإسلامي مع الآخر ، والخصم في هذه المحاورة ملحد عنيد ، وغير مسالم بالمرة ، ويتطرق الإمام القاسم إلى نفي الأعراض عن القديم ، وكذلك نفي التصورات السلبية عن القديم ، فهو لا شبيه له وليس من عدد ، ونقد اليونان في تصورهم للصورة والهيولى ، وهو بذلك يسبق كثيرين من مفكري اليونان الذين نقضوا المنطق ، وهو من المفكرين الإسلاميين المجددين ، والذين أنصفوا التراث الإسلامي وأعادوا له الحياة والحركة والفاعلية وامتد تأثيرهم على القرون التي تلتهم.
أريد أن أقول بلا استطراد إنه ينبغي تلمس الفكر الحر والتجديدي المحافظ على أصالته في تراث فريق من الإسلاميين منهم الإمام القاسم بن إبراهيم ، وحفيده الهادي يحيى بن الحسين المتوفي سنة (٢٩٨ ه) ، وابنه الناصر أحمد بن يحيى المتوفي سنة (٣٢٥ ه).
ثم ناقش الملحد في فكرة الكمون ، وتبعها بنقض مقالة الدهريين القائلين بأن الطبيعة خلقت نفسها بنفسها ، وناقشه في الموجود بالقوة والموجود بالفعل عند ما قال له : (إن النواة هي تمرة بالقوة الهيولية ..) ، وهو كلام ساذج متداعي البناء ، وما كان على الإمام القاسم إلا إثبات أن حكم الأصول في الخلق هو حكم الفروع ، وقد كان ، فاختلط على الملحد.
ثم ذهب الإمام القاسم إلى وضع أسس للمعرفة إذا سار عليها الملحد استطاع الفهم والتمييز : (اعلم أن طرق العلم بالأشياء مختلفة ، فمنها ما يعرف بالحس ، ومنها ما يعرف بالنفس ، ومنها ما يعرف بالعقل ، ومنها ما يعرف بالظن والحسبان) ، وهكذا يقدم الإمام القاسم بحثا رائعا في المعرفة ، في أثناء تناوله لقضية الإلهية من حيث الوجود.
ثم يتناول قضية علة الكون والفساد ، وانتهى ببيان كون الله علة الأشياء وفسادها ، أي : كوّنها وأفسدها من غير ما ضرورة ولا اضطرار.
ويقترب الملحد من محطة التسليم ، وتتكون لديه مسلّمات الفهم وبديهياته على يد الإمام القاسم ، ويتزعزع طاغوت الكفر في عقله وقلبه ، ويتوقف عنده الأمر على إثبات وحدانية الله الموجود الخالق ، ويتناول الإمام القاسم الدليل على الوحدانية من خلال المنهج القرآني ، فيستعين بدليل التمانع في استطراد رائع يدل على قدراته الفلسفية