والكلامية في الإقناع البرهاني ، ويتخذ من كلام الملحد عن وجود الخير والشر في العالم دليلا على الوحدانية أيضا.
ويتساءل الملحد عن علة خلق الله للعالم ، فيرده الإمام القاسم إلى كون الله الواحد الأحد القديم ، غنيا قادرا حكيما ، فلا شك أنه خلق العالم لغاية وعلة وسبب ، ولا يسع الإمام القاسم سوى الاستعانة بالنص ، في كونه تعالى خلقنا من أجل الابتلاء والامتحان والاختبار الذي تتعدد مراتبه ودرجاته وأنواعه ، والله في كل ما خلق حكيم قادر ، ولم يخلق العالم لحاجة لأنه الغني ، والقديم لا يحتاج ، ولا يسأل عن علة خلقه للأشياء ، لأن السؤال في حقه ممتنع ومرفوض ، وإلا دعا إلى الدور.
ثم فسر ـ بفكرة الاستحقاق والعوض وإحسان الله لعباده ـ ما يحدث في هذا العالم من الآلام ، فلحكمة رآها البارئ عذّب عباده بالموت ، وأصاب بعضهم بالأمراض والابتلاء في البدن والمال والأولاد ، لداعية الإحسان إليهم بعد ذلك ، ولكن ما الذي يبرر أنها إحسان ، ولم أرغم عباده على ابتلاءات هو أرادها لهم ، وما وجه الإحسان في علمه تعالى بمصائر عباده وجهلهم بها ، ولم جعل بعض عباده أغنياء وبعضهم فقراء ، بعضهم في نعمة وسرور ، وآخرون في شر وغم؟ .. كل هذه تساؤلات وجّه مثلها وقريبا منها الملحد ليتسنى له فهم ما يفعله الله بعباده .. أي ما الذي يعلل أفعاله.
ثم أعقب ذلك بالحديث عن الرسالة والنبوءات ، وهل ما جاء به الأنبياء معقول أم لا ، أو هل تعقل الشرائع وتعلل أم لا؟ .. وما المعجزات وكيف تكون؟ .. لم يهدم الله بنية هو صانعها .. ولما ذا خلق البعث والنشور ، وما الدليل عليه وكيف يكون؟
وقد رد الإمام القاسم على تساؤلات الملحد بالأدلة الشافية الكافية من المنقول والمعقول ، وسار به سيرا حميدا بلا لبس أو غموض ، حتى انتهى به الأمر أن يسلم وينطق بالشهادتين على إثر هذه المناظرة ، ويقول : (تعست أمة ظلت عن مثلك). وأسلم وحسن إسلامه ، وصار من مريدي الإمام ومحبيه ، والآخذين عليه ، مما يعني أن المناظرة حققت أهدافها كاملة ، وتكلل جهد الإمام القاسم بالنجاح ، عند ما توفر عنده المنهج السليم ، والعلم الذي صدق قواعد منهجه ، وسبق كل ذلك نية صالحة في هداية الخلق ، والدفاع عن الشرع والدين ، ونعجب أشد العجب عند ما نعلم أنه كان يجادل عن دينه وينصره ، وهو مطارد غريب شريد بعيد عن الأمن بين الأهل والأوطان!