فأما قوله تبارك وتعالى : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٦٢]. يعني : بقدرتي وعلمي. يريد أني على ذلك قادر وبه عالم ، توليت ذلك بنفسي لا شريك لي في تدبيري وصنعي ، لا أن قدرتي وعلمي ونفسي غيري ، بل أنا الواحد الذي لا شيء مثلي. وقد بيّن معنى هذه الآية في آية أخرى ، فقال : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)) [آل عمران : ٥٩]. وقال جل ذكره : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)) [النحل : ٤٠] يريد إذا كونا شيئا كان. وقال تبارك وتعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١)) [يس : ٧١]. يقول : مما عملت أنا بنفسي.
وقال جل ثناؤه : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) [المائدة : ٥٨] ، وتأويل ذلك عند أهل العلم : بل نعمتاه مبسوطتان على خلقه ، نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.
وقيل في تأويله : بل رزقاه (١) مبسوطان على خلقه ، رزق موسع ، ورزق مضيق ، (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ). أي : يفعل من (٢) ذلك ما هو أصلح لعباده. كذلك قال جل ثناؤه : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك : ١]. يعني : له الملك. وكذلك تقول العرب : الملك بيد فلان. وقد قبض فلان الملك والأرض. وذلك في قبضته وبيمينه. يعنون : في قدرته وملكه. كذلك السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما في قبضة الله وبيمينه. يعني : في قدرته وملكوته وسلطانه ، اليوم ويوم القيامة وفي كل وقت. كما قال جل ثناؤه : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار : ١]. فالأمر يومئذ واليوم بيده. وقال تبارك وتعالى لمن عصاه وهو يساق إلى النار : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الحج : ١٠]. و «بما كسبت يداك» (٣). يريد : بما كسبت أنت بقولك وفعلك ، ليس يعني : يده دون بدنه وجوارحه.
وقال جل ثناؤه لنبيه ، صلوات الله عليه وعلى أهله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٢٤]. يعني : ما ملكتم أنتم ، وتقول العرب : أسلم فلان على يدي فلان. يريدون :
__________________
(١) في (أ) و (ج) : نعمتاه مبسوطتان.
(٢) في (أ) و (ج) : يفعل لذلك.
(٣) لا يوجد آية كما ذكر الإمام فلعله اشتبهت عليه بقوله (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٢٣٠].