آية محكمة مجملة (١) تأتي على جميع الأمر بالطاعة ، والنهي عن المعصية.
وفي أمر الله جل ثناؤه عباده بالطاعة ، دليل لمن كان له عقل أن الله جل ثناؤه أرادها وشاءها وأحبها ، إذ كان بها آمرا وعليها حامدا ، ولأهلها مواليا ، ولهم مثيبا. وفي نهيه عن المعصية دليل أنه لم يردها ولم يشأها ولم يحبها ، إذ كان عنها ناهيا ، وعليها ذاما ، ومن أهلها بريئا ، ولهم معاقبا.
فلا هو أرادها جل ثناؤه ، ولا هو عزوجل عصي مغلوبا ، ولكنه الحليم تأنى بخلقه وأمهلهم وحلم عنهم ، ولم يعجل عليهم بالانتقام منهم ، ليرجعوا فيتوبوا ، فاغتروا بحلمه عنهم ، حتى افتروا عليه ، فزعموا أنه أمر بما لا يريد ، ونهى عما يريد ، وأن رسله صلوات الله عليهم خالفوه فيما أراد ، (٢) وأن إبليس عليه غضب الله وافقه فيما أراد. وذلك أنهم زعموا أنه أراد الكفر من كثير من عباده ، وأرسل إليهم رسله يدعونهم إلى الإيمان وهو خلاف ما أراد من الكفر ، وأن إبليس دعاهم إلى الكفر وهو ما أراد منهم ، فكان إبليس في قولهم ـ لله جل ثناؤه فيما أراد ـ موافقا ، (٣) وكان رسول الله صلى
__________________
(١) أي : عامة.
(٢) في (ب) و (د) : أرادوا. والصحيح ما أثبت : وإنما تصحفت.
(٣) عن الحسن : إذا كان يوم القيامة دعي إبليس وقيل له : ما حملك أن لا تسجد لآدم!؟ فيقول : يا رب أنت حلت بيني وبين ذلك! فيقول : كذبت. فيقول : إن لي شهودا. فينادي أين القدرية؟ شهود إبليس ، وخصماء الرحمن ، فيقوم طوائف من هذه الأمة ، فيخرج من أفواههم دخان أسود ، فتطبق وجوههم ، فتسودّ لذلك ، وذلك قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ). رواه أبو طالب في شرح البالغ المدرك / ١٠٠ ، والأمير الحسين في ينابيع النصيحة / ١٦٣.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي أين خصماء الله؟ فيقومون مسوّدة وجوههم ، مزرقة عيونهم ، مائلا شفاههم ، يسيل لعابهم ، يقذرهم من رآهم ، فيقولون : والله يا ربنا ما عبدنا من دونك شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا. قال ابن عباس رضي الله عنهما : لقد أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ، ثم تلا ابن عباس (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ). هم والله القدريون. ثلاث مرات. الدر المنثور ٧ / ٦٨٦.
وعن ابن عمر : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين خصماء الله عزوجل؟ فتقوم القدرية. أخرجه أبو القاسم الجرجاني في تاريخه ١ / ٣٣٦ (٦١٨) ، والدارقطني في العلل ٢ / ٧٠ (١١٥) ، وابن الجوزي في ـ