مرضتم؟ ولم يخاطبهم على خلقهم فيقول : لم طلتم؟ ولم قصرتم؟ وكما لم يمدح ويحمد الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب في مجراهن ومسيرهن. وإنما لم يمدحهن ، ويحمدهن لأنه جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهن ، وهو مصرفهن ومجراهن وهو منشؤهن. وكان في ذلك دليل أنه لم يخاطب هؤلاء وخاطب الآخرين ، (١) فعلمنا أنه خاطب من يعقل ، ويفهم ويكسب ، وإنما خاطبهم إذ هم مخيرون ، وترك مخاطبة الآخرين إذ هم غير مخيرين ولا مختارين ، فهذه الحجة ، وهذا الدليل على فعله من فعل خلقه.
والدليل على أن المعاصي ليست بقضائه ولا بقدره ، ما أنزل في كتابه من ذكر قضائه بالحق ، وأمره بالعدل ، وتعبّده عباده بالرضى بقضائه وقدره ، وإجماع الأمة كلها على أن جميع المعاصي والفواحش جور وباطل وظلم ، وأن الله جل ثناؤه لم يقض الجور والباطل ، ولم يكن منه الظلم ، وأنهم مسلّمون لقضاء الله ، منقادون لأمر الله ، فإذا نزلت بهم الحوادث من الأسقام والموت والجدب والمصائب من الله جل ثناؤه ، قالوا هذا بقضاء الله ، رضينا وسلمنا ، ولا يسخطه منهم أحد ، ولا ينكره منكر ، وإن سخطه منهم ساخط ، كان عندهم من الكافرين ، وإذا ظهرت منهم الفواحش وانتهكت فيهم المحارم ، كانوا لها كارهين ، وعلى أهلها ساخطين ، ولهم معاقبين ، يتبرءون منهم ويلعنونهم ، ويذمونهم وأعمالهم. ففي ذلك دليل أن ذلك ليس فعله. وقضاء الله لا يكون جورا ولا فاحشا ، ولا قبيحا ولا باطلا ولا ظلما ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقد وصفنا حجج الله في عدله ، وما بيّن من ذلك لخلقه.
[شبه القدرية]
فإن اعتلت القدرية السفهاء ببعض الآيات المتشابهات ، نحو قوله جل ثناؤه : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [النحل : ٩٣ ، فاطر : ٨]. وقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [البقرة : ٧]. (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) [النساء : ١٥٥]. ونحو ذلك من متشابه الآيات ، وتأولوها على غير تأويلها ، فإنّ كسر مقالتهم يسير ، والحجة عليهم
__________________
(١) يعني : الشمس والقمر ... إلخ.