افترض الله جل ثناؤه عليه من شرائع دينه.
وعليه أن يتجنب ما نهى الله عنه من معاصيه كلها من الكفر كله ، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق ، وأخذ أموال الناس مسلميهم ومعاهديهم بغير حقها ، والظلم لهم ، والعدوان عليهم ، وأكل أموال اليتامى ظلما ، وأكل الربا ، والسرقة ، والزنا ، وقذف المحصنات والمحصنين ، وشرب الخمر ، وإتيان الذكران من العالمين ، والفرار من الزحف في المواطن التي لا ينبغي له الفرار فيها ، إذا كان في ذلك اصطلام (١) المسلمين ، وهلاكهم ، وعقوق الوالدين المسلمين ، وإن كانا عاصيين صاحبهما (٢) معروفا ، وكل معصية يعلمها الله معصية ، وكل ما عليه أن يعلم أنه لله معصية فلا يعمله ولا يقربه ، فإن الله تبارك وتعالى قد نهى عن الذنوب كلها ، كبيرها وصغيرها ، كبيرها فيه الوعيد ، وصغيرها هو موهوب لمن اجتنب الكبير ، وذلك قول الله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)) [النساء : ٣١].
فليتق الله عبد ولا يقدم على معصية ربه وهو يعلمها ، ولا يعتقدها متأولا ولا متدينا بها ، (٣) وقد جعل الله له السبيل إلى معرفتها وتركها ، وليكن أبدا متحرزا متحفظا ، وبأمر ربه متيقظا ، فإن الله عزوجل وصف المتقين ، من عباده المؤمنين ، فقال جل ثناؤه : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)) [الأعراف : ٢٠١]. ولم يقل فإذا هم مصرون ، ثم أخبر تبارك وتعالى عن إخوان الشيطان فقال جل ثناؤه : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢)) [الأعراف : ٢٠٢]. فالمؤمن أبدا متيقظ متحفظ ، راج خائف ، يرجو الله لما هو عليه من الإحسان ، ولما يكون منه من ذلك رجاء لا قنوط فيه ، ويخافه على الإساءة الموبقة إن فعلها خوفا لا طمع فيه ، إلا بتوبة منها ، فالخوف والرجاء لا يفارقانه ، بذلك وصف الله جل ثناؤه المؤمنين من عباده، فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ
__________________
(١) الاصطلام : الاستئصال.
(٢) في (أ) ، (ج) : صحبهما.
(٣) سقط من (ب) : بها.