خلق الله الخلق ، وهي (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم : ٣٠].
والدين القيم : فهو المستقيم الواصب ، الثابت الدائم المتصل ، وذلك قوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) [النحل : ٤٣]. يريد منصبا متعبا. وهو التوحيد والخلصانية ، التي لا تزول عن قلوب المتعبدين العارفين بالله المخلصين ، بزوال سائر الشريعات التي تزول بزوال الاستطاعات ، والعلل المانعات ، عن القيام بالفروض الشرعيات.
ثم اعلم أن هذه الجملة هي أصل التوحيد ، فكل ما ورد من الشرح والكلام فهو مردود إلى هذا الأصل ، الذي أجمع عليه أهل القبلة ، فما ورد عليك من فروع الكلام والشرح ، يؤكد (١) لك أصول دينك اعتقدته ، ودنت الله به ، وما ورد عليك مما ينقض الأصل تركته واعتزلته ، فإن بذلك صحّت المقالة لأهل الفرقة الناجية.
فالواجب على الطالب لنجاته حراسة الأصول من النقض لها بالتفسير ، حتى لا ينقضها بالتفسير طول عمره مضطربا في عمارة التوحيد ، برد الفرع إلى أصله حتى لا يضيف إلى معبوده ، شيئا من صفات خلقه وعبيده ، في كل فعل منه وذات ، وفي كل صفة من الصفات ، حتى تنزه القلوب والضمائر ، وخواطر الأوهام والسرائر ، فإن دقيق ذلك كله كجليله ، والكثير من ذلك كقليله ، فافهمه وتدبره تجده كذلك إن شاء الله.
تم ذلك بعون الله تعالى ، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
* * *
__________________
(١) في (ب) و (د) : يؤيد.