في صفته.
وتأويل الكرسي والعرش لرب العالمين ، فغير تأويليهما في الآدميين ، لأن تأويلهما في بني آدم ، وفيما يحاط به لهم فيهما من العلم ، إنما هو مقعد الملك ، وآلة من آلات الملك ، يحمل للملك أو يوضع ، له (١) دعائم ثماني أو أربع. والكرسي والعرش لله فإنما هما (٢) ملك الله وسلطانه ، وتمكّن الله من الأشياء واستمكانه ، وقدرة الله سبحانه وملكه منها لما لم يكن كقدرته وملكه لما قد كان ، وذلك فما لا يصف (٣) به ـ من قال صدقا ـ إلا الله الرحمن ، وكل من اعتقد التشبيه لله بشيء في وهمه ، فقد برئ من الإيمان بالله وحكمه ، وزال عنه اسم التوحيد ، وكان منه أبعد بعيد ، لا تحل له ذبيحة ، ولا موالاة ولا مناكحة.
وفي العرش وما ذكرنا من أمره ، وما قلنا به فيه من التأويل عند ذكره ، وأنه هو القدرة لله والملك ، الذي ليس فيه لغير الله شرك ، ما يقول الله لا شريك له : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)) [المؤمنون : ١١٦]. ويقول سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)) [التوبة : ١٢٩] ، وتأويل ـ إن شاء الله ـ ذلك الصحيح المستقيم ، إذ (٤) هو العرش العظيم الكريم ، فإنما هو كرم ملك الله وعظمه ، لا طول العرش ولا عرضه ولا ضخمه ، وما في عظمه لو كان كما قالوا وطوله وعرضه ، ما يكون به وإن عظم واتسع أعظم ولا أوسع من سماء الله وأرضه ، ولو كان ذلك ، كما قالوا كذلك ، لكان عظمه في الإكبار والإجلال ، دون عظم السماء والأرض والجبال.
وإني لأحسب ـ والله أعلم ـ أن الهدهد حين أنبأ ، بعظم عرش ملكة سبأ ، ما أراد بالعرش وذكره ، إلا عظم ملكها وكبر قدره ، ألا تسمع قوله : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ
__________________
(١) في (أ) و (ج) : بها له دعائم.
(٢) في (أ) : هو.
(٣) في (أ) : فيما لا يصف. وفي (ب) و (د) : فما لا يوصف.
(٤) في (ب) : أنه.