فهل يتوهم ذلك حبل مسد ، (١) أو حبلا من سواه يحصد (٢).
ومثل ذلك قوله سبحانه : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) [البقرة : ٢٥٦]. فهل يتوهم أو يرى ، أن ذلك عروة من العرى ، التي تكون من شعر ، أو ليف أو لحاء من شجر ، قد أمرّ (٣) ذلك وعقد ، بما يعرف له من المرّة والعقد ، فلا يتوهم ذلك ـ والحمد لله ـ ولا يراه ، أحد من خلق الله رأيناه ولا علمناه.
و [ما] ما ذكر الله من العرش والكرسي وحمّاله ، إلا مثل ضربه الله من أمثاله ، فرحم الله عبدا فهم عن الله وحقّه ، فنفى عنه شبه جميع خلقه ، ولئن لزم الكرسي والعرش أن يكونا كالكراسي والأسرة المنصوبة ، ليلزمنّ مثل ذلك في تأويل رفيع الدرجات فتكون الدرجات عتبة بعد عتبة ، وذلك فما لا يتوهمه (٤) صحيح سوي ، ولا ضعيف في العلم ولا قوي. وما ما يسمع من هذا ومثله إلا أمثال مضروبة ، فهي والله المستعان في قلوب الجاهلين بالله محرفة مقلوبة ، فهم فيها ـ والحمد لله ـ لا يعقلون ولا يعلمون ، كما قال الله سبحانه : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (٤٣)) [العنكبوت : ٤٣].
وفي ذكر التمثيل والأمثال ، ما يقول الله ذو العزة والتعال : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦]. فذكر الإتيان وليس يتوهم إتيان الله إتيان مجيء ، ولا يتوهم ما ذكر (٥) من البنيان [أنه] بنيان مبني ، ولا يتوهم السقف الذي ذكره الله سقفا مرفوعا ، ولا قواعد بنيانهم التي هي أساسه (٦) أساسا موضوعا ، من حجر ، ولا طين ولا مدر ، ولكنه مثل وتمثيل
__________________
(١) المسد : الليف.
(٢) في (أ) و (ب) و (ج) : محصد.
(٣) في (ب) و (د) : في الشعر. واللحاء : قشر الشجر. وأمرّ : شدّ. يقال : أمرّ بعيره ، إذا شده.
(٤) في (أ) و (ج) : فما لا يتوهم. وفي (ب) : فلا يتوهم. وفي (د) : فلا يتوهمه. ولفقت النص من الجميع.
(٥) في (ب) و (د) : ما ذكر الله من.
(٦) سقط من (أ) و (ج) : أساسه.