ولا يتوهم بوقا ولا قرنا من القرون ، إلا كل مختل (١) من الناس مجنون.
ومثل ذلك قوله : (عَلى شَفا جُرُفٍ) [التوبة : ١٠٩] ، ولا يتوهمه (٢) جرفا من الجرفة ، إلا من لم يهبه الله في ذلك شيئا من الهدى والمعرفة ، وإنما الجرف من الأرض المعروف ، جانب الوادي أو ما كان من الأرض له حروف.
وفي مثل ذلك من الأمثال ، ما تقوله قريش للرسول عليهالسلام : (قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥]. ولا يتوهم الأكنة أغطية ولا لبسا ، ولا يتوهم الوقر صمما ولا ما ذكره الله من بكم الكفار خرسا ، إذ يقول سبحانه : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)) [البقرة : ١٨]. ولا الحجاب سترا مضروبا ، ولا بنيانا من الأبنية منصوبا.
وفيما ضرب الله من الأمثال ما يقول سبحانه : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤]. ولا يتوهم ذلك أقفالا من حديد ، إلا كل أخرق (٣) أحمق بليد.
وما في هذا من الأمثال والبيان ، فيما جعل الله للعرب من اللسان ، فيكثر عن الاستقصاء ، والتعديد له والاحصاء ، لا يلتبس (٤) ـ والله محمود ـ على من يعقل وإن لبّس وغطّي ، ولا يخفى مخرجه وبيانه إلا على (٥) من ضلّ وعمي ، فنعوذ بالله من العمى والضلال ، عما ضرب الله ـ برحمته ـ لنا من الأمثال. فكم من جاهل حائر قد عمي!!
يرى أنه في (٦) جهله قد هدي ، أو سامري يقول لا مساس ، لا يعرف البيان ولا الالتباس ، كالبهائم الغافلة المهملة ، التي لا تفرق بين هادية من الأمور ولا مضلة ، فهم كما قال الله سبحانه لقوم يعقلون : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [الأعراف : ١٧٩].
__________________
(١) في (أ) و (ب) و (د) : مختبل.
(٢) في (ب) : يتوهم.
(٣) الأخرق : الجاهل.
(٤) في (ب) : إلا تلبيس.
(٥) سقط من (ب) : على.
(٦) في (ج) : من جهله.