قلت : فما تأويل : (حَافِّينَ) [الزمر : ٧٥]؟!
فقال : ما حافّون في التأويل إلا كالكرسي والعرش وحملته في التمثيل ، والملائكة ـ يا بني ـ فحافّون يومئذ بمقام الحكم والتفصيل ، كما قد عرف أهل الدنيا ، أن الملك منهم إذا حكم وقضى ، أحف بعرشه الذي هو الكرسي يوم يحكم ويقضي ، من يختار من أهل مملكته ويرتضي ، فمثّل سبحانه لهم مقام حكمه وفصله ، بما قد (١) عرفوا في الدنيا من مثله ، وليس يتوهم من يعقل العرش والكرسيّ سريرا محمولا ، ولا منبرا منصوبا معمولا.
ومثل ذلك مما يعرف الناس من الأمثال في أمورهم ، قوله سبحانه : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) [الأنعام : ٣١] ، فذكر سبحانه ما ذكر في هذا الذكر من الأوزار والحمل ، ولا يتوهم ذلك من له أدنى عقل ، حملا كحمل الأحمال ، على ما يعرف من ظهور الجمال ، ولا كعبء محمول ، ولا كور (٢) منقول ، وإنما هو مثل من الأمثال معقول ، تعرفه الألباب والعقول ، وقد علم الناس أن كل عبء أو وزر ، إنما يحمل على عنق أو ظهر.
وكذلك قوله سبحانه : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) [الكهف : ٢٩] ، ولا يتوهم السرادق (٣) كما يعرف في الدنيا من السرادقات ، ذوات الأوتاد والأطناب والرواقات ، (٤) إلا جاهل عمي ، أحمق بهميّ.
وكذلك لا يتوهم قول الله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : ١٠] ، فلا يتوهم أحد له لبّ أن ما ذكر الله من ذلك منهم وفيهم ، على أن لله يدا ذات بنان مصافحة للمبايع رسوله ، (٥) صلىاللهعليهوآله.
__________________
(١) سقط من (أ) و (ج) : قد.
(٢) الكور : الرّحل.
(٣) السرادق : ما أحاط بالبناء.
(٤) الرواق : فسطاط أو سقف في مقدم البيت.
(٥) في (ب) و (د) : لمبايع رسول الله.