تبشير التوراة بالمسيح ، إلا أن اليهودية تحولت على يد أتباعها إلى دين كهنوتي له طقوسه وطلاسمه وربابنته وعلماؤه ، ولم يكن من السهل الإيمان والتسليم بالمسيح عيسى بن مريم كنبي لليهود ، فأنكروه نسبا ، وأنكروه نبوة ، بل بلغ بهم الأمر أن أنكروه وجودا!
وإذا علمنا أن الأناجيل «الموضوعة» ، قد كتبت بعد وفاة عيسى بمدة من الزمان سمحت بأن يخرج كل كاتب بتصور مختلف للعقيدة في عيسى وشريعته ، ندرك مدى أهمية الإسلام ، ككتاب ورسالة ، في وجود المسيحية كدين ، فما من شاهد على المسيح وأمه وما جاء به من ربه ولا حياته وتاريخه سوى القرآن الكريم ، ذلك المصدر الإلهي المقدس المطهر والموثق ، كان بحفظ الله له حفظا لحقيقة وجود المسيح ورسالته ، وحقيقته هو كنبي لا إله ، كما يدعي أتباعه بتصوراتهم الموهومة.
إذا نحن أمام تصورات ثلاثة في إثبات وجود المسيح ، الأول ينكره تماما ، وهذا يعني محو الوجود والأثر ، والثاني يقدسه حتى إنه اتخذ منه إلها ، والثالث يثبته بشرا رسولا جاء بهدايات السماء إلى الأرض ، ليطرح مادية اليهود جانبا ، ويهدي خراف بني إسرائيل الضالة مرة أخرى إلى حظائر الإيمان ، ويعيد إلى الشريعة الموسوية احترامها عند اتباعها ، الذين حرفوا الكلم عن مواضعه ، وأخفوا كثيرا مما جاءهم ، وعملوا ببعضه ، حسب ما تمليه أهواؤهم عليهم ، وحسب مصالحهم.
وهذه التصورات الثلاثة اثنان منها في جانب الافتراء والاجتراء على الله ، والثالث هو الوحيد الذي يحمل روح الاعتدال والعقل والواقعية التي تليق بوحي السماء ، وترد الاعتبار للنبوة والرسالة.
لقد أشهر اليهود في وجه الأنبياء سلاحين ، سلاح القتل وسلاح التكذيب ، ولم يتسامحوا أبدا مع أي منهم ، ويرجع ذلك لطبيعة فيهم ، تتسم بالقسوة والفظاظة والمادية والجرأة والوقاحة ، وهذه ليست ألفاظا للسب ، ولكن أوصافا للنعت ، ولذلك كما أنكروا رسالة عيسى أنكروا رسالة محمد صلى الله عليهما ، ومن العجب أن ينكر النصارى دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو الذي جاء لإثبات وتصديق رسالة عيسى عليهالسلام!