التلقي وزمن الأداء ، حدثت أحداث وجدت أمور على المسلمين اختلف فيها حال التابعين وتابعي التابعين عن حال الصحابة وعصرهم ، وزالت دولة الخلافة الراشدة ، بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وأذنت دولة بني أمية بالزوال ، والمسلمون على أبواب خلافة جديدة وهي خلافة بني العباس ، وتفرق المسلمون إلى فرق وأحزاب بدأ كل فريق في تكوين مذهبه السياسي والفكري وينصر آراءه بكم هائل من الأحاديث الصحيحة والباطلة ، ولا يرى غضاضة في رواية الحديث طالما ينتصر له على خصمه.
ظهرت على يد غلاة الشيعة الكثير من المرويات التي تناولت الذات المقدسة بالتشبيه والتجسيم ، ومثل هذا أيضا ظهر في جمهور أهل السنة وعامتهم. يؤيد ذلك ما ذكره الشهرستاني فيقول : (إن جماعة من الشيعة الغالية ، وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل الهشامين ـ يقصد هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي ـ من الشيعة ، ومثل مضر وكهمس وأحمد الهجيمي ، وغيرهم من غير الشيعة ، قالوا : معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض ، إما روحانية وإما جسمانية ، يجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن) (١).
وإذن فقد ظهر الحشو عند الفريقين من غلاة الشيعة وأهل السنة ، وكذلك فرق أخرى كالمرجئة الذين قال بعضهم إن الله جسم لا كالأجسام ، فمن وراء هذا التيار العاتي في العالم الإسلامي آنئذ؟! .. لقد تسرّب التشبيه والتجسيم وكذلك مئات المرويات من الاسرائيليات في التفسير على يد المسلمين الجدد ، بقصد أو بدون قصد ، وانتشر القصاص بهذه الإسرائيليات يروجونها ، وكان اليهود وراء هذه الظاهرة.
وقد أرجع العلامة محمد بن زاهد الكوثري نشأة الحشو إلى أن (عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس ، أظهروا الإسلام في عهد الراشدين ثم أخذوا بعد ذلك في بث ما عندهم من الأساطير بين من تروج عليهم ، ممن لم يتهذب بالعلم من أعراب الرواة وبسطاء مواليهم ، فتلقفوها منهم ورووها لآخرين بسلامة باطن ، معتقدين ما في أخبارهم في جانب الله من التجسيم والتشبيه ، مستأنسين بما كانوا عليه
__________________
(١) انظر كتاب الملل والنحل للشهرستاني ١ / ١٤٨.