الكلام قديما أزليان فلا بد أن حروفه وكلماته وكتابته أزلية.
وضلع فريق من المفسرين في تفسير القرآن الكريم في ضوء الاسرائيليات والتي حملت ظلالا كثيفة من التشبيه ، ومن هؤلاء (مقاتل بن سليمان المتوفي سنة ١٥٠ ه) والذي أجمع مؤرخو المقالات على أنه كان من المشبهة والمجسمة (١) ، وكان يكذب ويأخذ من اليهود والنصارى ، وربما كانت حركة التأويل العقلي في الإسلام رد فعل لحركة مقاتل بن سليمان ، وهكذا أدى تطرف المشبهة إلى ظهور تطرف النفاة من أمثال جهم بن صفوان (٢) ، وما حديث أطيط العرش ، وغيره إلا من مرويات مقاتل بن سليمان (٣) ، وكذلك حديث المقام المحمود ، وشحن تفسيره بالحشو والتشبيه والأحاديث الواهية والموضوعة (٤) ، ولذلك ليس مستغربا أن نجد أبا حنيفة المتوفي سنة ١٥٠ ه (٥) يلعن مقاتل بن سليمان ، والغريب أن نجد مفسرا من التابعين له دور كبير في نشر حديث المقام المحمود ، هو مجاهد بن جبر المتوفي ١٠٤ ه (٦).
وجمع مقاتل بين مذاهب رديئة ومتطرفة منها الإرجاء الذي أجمع عليه الأشعري والشهرستاني ، بل زاد الأمر إلى القول بأن الإيمان قول فقط (٧) ، وتأتي بعد ذلك فتأخذ الكرامية بقوله (٨).
ويبدو أن مقاتلا جمع بين الإرجاء والتشبيه والتجسيم ، يقول المقدسي : إن مقاتل زعم أن الله جسم من الأجسام ـ لحم ودم ـ وأنه سبعة أشبار بشبر نفسه .. ويقول أيضا : إنه على صورة لحم ودم (٩) ، وحكى الأشعري مثل ذلك (١) ، وتبعه داود
__________________
(١) انظر الشهرستاني في الملل ١ / ١٥٤ ـ ١٥٨.
(٢) انظر المقريزي في الخطط ٢ / ٣٤٩ ، ٣٥١.
(٣) انظر الملطي في التنبيه والرد / ٥٥.
(٤) حققه وطبعه د / عبد الله شحاته ، إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب.
(٥) انظر ابن خلكان في وفيات الأعيان ٢ / ١٦٣.
(٦) انظر الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ٩ ، وأبا نعيم في حلية الأولياء ٣ / ٢٧٩.
(٧) مقاتل بن سليمان في تفسيره ١ / ١٣ ، ١٥٠.
(٨) انظر الأشعري في المقالات ١ / ٢٠٥.
(٩) المقدسي في البدء والتاريخ ٥ / ١٤١.