(استنار لنا بتدبيره من غير مشاهدة منّا له ، ولا إحاطة به ، ولا إدراك من حواسنا له).
فمن عرف الله وتعرّف عليه وأدركه ، كان ذلك (بتدبيره ونوره وعلاماته ، لا بمجاهرة منهم له ولا بالمشاهدة والملاقاة). وللنور تأويلات أخرى مختلفة بحسب معانيها في اللغة العربية ، منها ما يليق بذات البارئ تعالى ، أما ما قصده الملاحدة فلا ، وكذلك معنى (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) [النور : ٣٥] لا ينبغي صرفها إلى ظاهرها الذي يعني التشبيه والتجسيم ، وإنما اللائق بذات الله هو أن يكون مثل نور النبي الذي جاء به مثلا ، أو قلب المؤمن في نور إيمانه ، أو ما شاء الله من المعاني المصروفة إلى غير معنى التشبيه ، ويصدق ذلك أيضا على قوله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ) [النور : ٣٥] ، وغيرها من المعاني الشريفة.
٤ ـ وكذلك صيّر المشبهة مفهوم الشيء فمالوا إلى التجسيم ، أما الجهمية فقد مالوا إلى أقصى التنزيه فأنكروا الشيئية في حق الله عزوجل ، وهكذا مال قوم إلى التشبيه فأفرطوا ، وآخرون إلى التنزيه ففرطوا ، وكلاهما حاد عن سواء القصد فهو ذميم! ..
فالله تعالى ، وسم المعاني بأن قال : هي شيء ، لإخراجه لها من العدم إلى الوجود ، وهذا يعني أن الشيء هو الموجود في مقابل العدم ، (والله شيء لا يشبه الأشياء) ، وهو خالق الأشياء ومشيئها ، ولا يشبه شيئا من خلقه ، وفي غير ما مثلية ، فالتشبيه لا يجوز إلا على ضد ومثل.
ف (الله شيء واحد كريم ، والله شيء عزيز ، والله شيء ليس كالأشياء ، فيكون ذلك مدحة ، ولا يذكر العبد التقي ربه إلا وهو فيما ذكر من أسمائه مادح).
٥ ـ أما المسألة الخامسة فكانت في الرد على من أنكر أن يكون الله واحدا ليس بذي أبعاض ، لقد نقض الإسلام التصور الأرضي للإله ، ذي القدرات الخاصة (السّوبر) وأكد على قيوميته تعالى وفردانيته ووحدانيته ، فلا ثاني معه ، ولا مثل له في صفة ولا في ذات ولا في قول ولا فعل ولا معنى من المعاني ... والواحد له معان كثيرة في اللغة منها الأول الفرد ، وهو العدد الحسابي ، أو بمعنى أنه أول الأشياء ، والله واحد لا من عدد وليس له في وحدانيته شبيه ولا نظير في ألوهيته ولا في ربوبيته.