له مسكة عقل ، فإذ لا شك في هذا فباليقين علمنا أن التسبيح الذي ذكره الله تعالى هو حق ، وهو معنى غير تسبيحنا نحن بلا شك. فإذ لا شك في هذا فإن التسبيح في أصل اللغة هو تنزيه الله تعالى عن السوء. فإذ قد صح هذا فإن كل شيء في العالم بلا شك منزه لله تعالى عن السوء الذي هو صفة الحدوث ، وليس في العالم شيء إلا وهو دال بما فيه من دلائل الصنعة ، واقتضائه صانعا لا يشبه شيئا مما خلق تعالى ، على أن الله تعالى منزه عن كل سوء ونقص. وهذا هو الذي لا يفهمه ولا يفقهه كثير من الناس ، كما قال تعالى : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤].
فهذا هو تسبيح كل شيء بحمد لله تعالى بلا شك. وهذا المعنى حق لا ينكره موحد.
فإن كان قولنا هذا متّفقا على صحته وكانت الضرورة توجب أنه ليس هو التسبيح المعهود عندنا ، فقد ثبت قولنا ، وانتفى قول من خالفنا بظنه الكاذب.
وأيضا فإن الله تعالى يقول : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤] والكافر الدّهري شيء ، لا يشك في أنه شيء ، وهو لا يسبح بحمد الله تعالى البتة. فصح ضرورة أن الكافر يسبح إذ هو من جملة الأشياء التي تسبح بحمد الله تعالى ، وأن تسبيحه ليس هو قوله سبحان الله وبحمده بلا شك ، ولكنه تنزيه الله تعالى بدلائل خلقه وتركيبه عن أن يكون الخالق مشبها لشيء مما خلق. وهذا يقين لا شك فيه. فصح بما ذكرنا أن لفظة التسبيح هي من الأسماء المشتركة ، وهي التي تقع على نوعين فصاعدا.
وأما السجود الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [سورة الرعد : آية رقم ١٥].
فقد علمنا أن السجود المعهود عندنا في الشريعة واللغة هو وضع الجبهة واليدين والركبتين ، والرجلين ، والأنف في الأرض بنية التقرب بذلك إلى الله تعالى.
هذا ما لا يشك فيه مسلم ، وكذلك نعلم ضرورة لا شك فيها أن الحمير والهوام والخشب والحشيش والكفار لا تفعل ذلك ، لا سيما من ليس له هذه الأعضاء. وقد نص تعالى على صحة ما قلنا ، وأخبر تعالى أن في الناس من لا يسجد له السجود المعهود عندنا بقوله تعالى : (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) [سورة فصلت : الآيتان ٣٧ و ٣٨].