وأما الأحاديث المأثورة في أن الحجر له لسان وشفتان ، والكعبة كذلك ، وأن الجبال تطاولت ، وخشع جبل كذا فخرافات موضوعة نقلها كل كذاب وضعيف لا يصح شيء منها من طريق الإسناد ولا يصح شيء من ذلك أصلا.
ويكفي من التطويل في ذلك أنه لم يدخل شيئا منها من انتدب من الأئمة لتصنيف الصحيح من الحديث ، أو ما يستجاز روايته مما يقارب الصحة.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وكل من يخالفنا في هذا فإنه إذا أقر لنا أن القول المذكور في الآيات التي تلونا ، والسجود والخشية ليس شيء منه على الصفة المعهودة بيننا ، فقد وافقنا أحب أو كره ، وهم كلهم مقرون بذلك ، وقد جاء ذلك في أشعار العرب :
قال الشاعر (١) :
يشكو إليّ جملي طول السّرى (٢)
وقال آخر :
فقالت له العينان سمعا وطاعة (٣)
وقال الراعي :
قلق الفئوس إذا أردن نصولا (٤)
ومن هذا الباب قوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) [سورة الكهف : آية ٧٧].
وهذا بلا شك غير الإرادة المعهودة من الحيوان. فصح قولنا بالنص والضرورة ، والحمد لله رب العالمين.
__________________
(١) صوابه الراجز.
(٢) هذا بيت من الرجز وبعده : «صبر جميل فكلانا مبتلى» وهو للملبد بن حرملة في شرح أبيات سيبويه (١ / ٣١٧) وبلا نسبة في أمالي المرتضى (١ / ١٠٧) وشرح الأشموني (١ / ١٠٦) وكتاب سيبويه (١ / ٣٢١) ولسان العرب (١٤ / ٤٤٠ ـ شكا). وفيه شاهد نحويّ ، وهو رفع «صبر» على الابتداء ، أي : وصبر جميل أمثل ، أو على الخبر ، أي : أمرك صبر جميل.
(٣) صدر بيت ، وعجزه :
وإن كنت قد حملت ما لم أحمل
(٤) هذا عجز بيت للراعي النميري ، وصدره :
في مهمه قلقت به هاماتها
وهو في ديوانه (ص ٢٢٢) ولسان العرب (٣ / ١٨٩ ـ رود).