طائِعِينَ). وقد بيّن جل وعز ذلك موصولا بهذا اللفظ فقال جل وعزّ : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) [سورة فصلت : آية رقم ١٢] فبين الله تعالى بيانا رفع كل إشكال : أن تلك الطاعة من السماوات والأرض إنما هي تصرفه لها ، وقضاؤه تعالى إياهن سبع سماوات ، ووحيه في كل سماء أمرها ، فصح قولنا نصّا جليا ببيان الله تعالى لذلك والحمد لله رب العالمين.
وصح بهذا أن إباية السماوات والأرض والجبال من قبول الأمانة إنما هو لما ركبها الله تعالى عليه من الجمادية وعدم التمييز ، وقد علم كل ذي عقل امتناع قبول ما هذه صفته للشرائع والأوامر والنواهي ، وقد ذم الله تعالى من (يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) [سورة البقرة ١٧١].
ولا يحل لمسلم أن ينسب إلى الله تعالى فعلا ذمه.
والوجه الثالث : أن يكون الله تعالى عنى بقوله : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) : الجبل الذي صار دكّا ، إذ تجلى الله تعالى له يوم سأله كليمه عليهالسلام الرؤية ، فذلك الجبل من جملة الحجارة ، وقد هبط عن مكانه من خشية الله تعالى.
وهذه معجزة وآية وإحالة طبيعة في ذلك الجبل خاصة. ويكون «يهبط» بمعنى «هبط» كما قال الله عزوجل (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة الأنفال : آية ٣٠].
ومعناه بلا شك : وإذ مكر.
وبين قوله تعالى مصدقا إبراهيم خليله صلىاللهعليهوسلم في إنكاره على أبيه عبادة الحجارة (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) [سورة مريم : آية ٤٢].
وقوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) [سورة الزمر : آية ٤٣] ما هي عليه من الجمادية وعدم التمييز.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فصح بهذا صحة لا مجال للشك فيها أن الحجارة لا تعقل لأنها التي كانوا يعبدون مما يعقل.
وأما سائر ما كانوا يعبدون من الملائكة ، والمسيح وأمه عليهماالسلام ، ومن الجن فكل هؤلاء عاقلون مميزون ، فلم يبق إلا الحجارة فصح بالنص أنها لا تعقل ، وإذ تيقن ذلك بالنص وبالضرورة وبالمشاهدة ، فقد انتفى عنها النطق والتمييز والخشية المعهودة كل ذلك عندنا وصحّ أن هذه الألفاظ واقعة على معان غير المعهودة عندنا وهذا نص قولنا «والحمد لله رب العالمين».