فإن قالوا : كيف يكون ميتا رسول الله؟ وإنما الرسول هو الذي يخاطب عن الله بالرسالة.
قيل لهم : نعم يكون من أرسله الله تعالى مرة واحدة فقط رسولا لله تعالى أبدا ، لأنه حاصل على مرتبة جلالة لا يحطّه عنها شيء أبدا ولا يسقط عنه هذا الاسم أبدا.
ولو كان ما قلتم لوجب ألا يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم رسولا إلى أهل اليمن في حياته لأنه لم يكلمهم ولا شافههم.
ويلزم أيضا أن لا يكون رسول الله إلا ما دام يكلم الناس ، فإذا سكت أو أكل أو نام أو جامع لم يكن رسول الله. وهذا حمق مشوب بكفر ، وخلاف للإجماع المتيقن ، ونعوذ بالله من الخذلان.
وأيضا فإن خبر الإسراء الذي ذكره الله عزوجل في القرآن وهو منقول نقل التواتر ، وأحد أعلام النبوة ذكر فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه رأى الأنبياء عليهمالسلام في سماء سماء فهل رأى إلّا أرواحهم التي هي أنفسهم؟! ومن كذّب بهذا أو بعضه فقد انسلخ عن الإسلام بلا شك ونعوذ بالله من الخذلان. وهذه براهين لا محيد عنها.
وقد صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنه أخبر أن لله ملائكة يبلّغونه منّا السلام ، وأنه من رآه في النوم فقد رآه حقا (١) ، ولقد بلغني عن بعضهم أنهم يقولون : «إن أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم لسن الآن أمهات المؤمنين ، لكنهن كن أمهات المؤمنين».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهذا ضلال بحت وحماقة محضة ، ولو كان هذا لوجب أن لا تكون أم المرء التي ولدته ، وأبوه الذي ولده أباه ، ولا أمه ، إلّا في حين الولادة والحمل من الأم فقط ، وفي حين الإنزال من الأب فقط لا بعد ذلك ، وهذا من السخف الذي لا يرضى به لنفسه ذو مسكة (٢).
فإن قالوا : أتقولون إن عمر أمير المؤمنين أو عثمان أيضا كذلك؟
قلنا لهم : لا ، وهذا إجماع لأنه لا يكون أمير المؤمنين إلّا من يكون الائتمار
__________________
(١) حديث : «من رآني في المنام فقد رآني» رواه البخاري في العلم باب ٣٨ ، والتعبير باب ١٠. ومسلم في الرؤيا حديث ١١. وأبو داود في الأدب باب ٨٨. والترمذي في الرؤيا باب ٤ و ٧. وابن ماجة في الرؤيا باب ٢. والدارمي في الرؤيا باب ٤. وأحمد في المسند (٢ / ٢٣٢ ، ٢٦١ ، ٣٤٢ ، ١٠ ، ٤١١ ، ٤٢٥ ، ٤٦٣ ، ٤٦٩ ، ٤٧٢ ، ٥ / ٣٠٦ ، ٦ / ٣٩٤).
(٢) المسكة : العقل الوافر والرأي (المعجم الوسيط : ص ٨٦٩ ، ٨٧٠).