واختلفوا في الذي كانت أفاعيله كلها شرّا لا خير فيها ، فقال بعضهم : أرواح هذه الطبقة هي الشياطين. وقال «أحمد بن حابط» : إنها تنتقل إلى جهنم فتعذّب بالنّار أبد الأبد.
واختلفوا في الذي كانت أفاعيله كلها خيرا لا شرّ فيها ، فقال بعضهم : أرواح هذه الطبقة هي الملائكة. وقال «أحمد بن حابط» : إنها لا شك أنها تنتقل إلى الجنة فتنعم فيها أبد الأبد. واحتجت هذه الطائفة المرتسمة بالإسلام أعني «أحمد بن حابط» و «أحمد بن نانوس» بقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) [سورة الانفطار : آية رقم ٦ ـ ٨].
وبقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [سورة الشورى : آية رقم ١١].
واحتج من هذه الطائفة من لا يقول بالإسلام بأن قالوا : إن النفس لا تتناهى ، والعالم لا يتناهى لأمده ، فالنفس متنقلة أبدا ، وليس انتقالها إلى نوعها بأولى من انتقالها إلى غير نوعها.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وذهبت الفرقة الثانية إلى أن منعت انتقال الأرواح إلى غير أنواع أجسادها التي فارقت ، وليس من هذه الفرقة أحد يقول بشيء من الشرائع ، وهم من الدهرية. وحجتهم هي حجة الطائفة التي ذكرنا قبلها ، القائلة إنه لا تناهي للعالم فوجب أن تردد النفس في الأجساد أبدا. قالوا : ولا يجوز أن تنتقل إلى غير النوع الذي أوجب لها طبعها الإشراف عليه وتعلّقها به.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : أما الفرقة المرتسمة باسم الإسلام فيكفي من الردّ عليهم إجماع جميع أهل الإسلام على تكفيرهم ، وعلى أن من قال بقولهم فإنه على غير الإسلام ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم أتى بغير هذا ، وبما المسلمون مجمعون عليه من أن الجزاء لا يقع إلّا بعد فراق الأجساد للأرواح بالنكر أو التنعم قبل يوم القيامة ، ثم بالجنة أو بالنّار في موقف الحشر فقط ، إذا جمعت أجسادها مع أرواحها التي كانت فيها.
وأما احتجاجهم بالآيتين فكفى من بطلان قولهم أيضا ما ذكرناه من الإجماع وأن الأمّة كلها مجمعون بلا خلاف على أن المراد بهاتين الآيتين غير ما ذكر هؤلاء الملحدون ، وأن المراد بقوله تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) أنها الصورة التي ركّب الإنسان عليها من طول أو قصر ، أو حسن أو قبح ، أو بياض أو سواد ، وما أشبه ذلك.