البيّن برسول الله صلىاللهعليهوسلم من قوله تعالى فيها : «سأقيم لبنى إسرائيل نبيّا من إخوتهم ، أجعل على لسانه كلامي فمن عصاه انتقمت منه».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ولم تكن هذه الصفة لغير محمد صلىاللهعليهوسلم. وإخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل. وقوله في السفر الخامس منها : «جاء الله من سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وسيناء هو موضع مبعث موسى عليهالسلام بلا شك ، و «ساعير» هو موضع مبعث «عيسى» عليهالسلام ، و «فاران» بلا شك هي مكة موضع مبعث «محمد» صلىاللهعليهوسلم. بيان ذلك : أن «إبراهيم» عليهالسلام أسكن «إسماعيل» «فاران» ، ولا خلاف بين أحد في أنه إنما أسكنه مكة. فهذا نصّ على مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم.
والرؤيا التي فسرها «دانيال» في أمر الحجر الذي رأى الملك في نومه الذي دق الصنم الذي كان بعضه ذهبا ، وبعضه فضة ، وبعضه نحاسا ، وبعضه حديدا ، وبعضه فخارا ، وخلطه كله وطحنه وجعله شيئا واحدا ثم ربا (١) الحجر حتى ملأ الأرض ، ففسره «دانيال» : أنه نبي يجمع الأجناس ، ويبلغ ملك أمره ملء الآفاق ، فهل كان نبي قط غير «محمد» صلىاللهعليهوسلم جمع الأجناس كلها على اختلافها ، واختلاف لغاتها ، وأديانها ، وممالكها ، وبلادها ، فجعلهم جنسا واحدا ، ولغة واحدة ، وأمة واحدة ، ومملكة واحدة ، ودينا واحدا؟
فإن العرب ، والفرس ، والنبط ، والأكراد ، والترك ، والديلم ، والجبل ، والبربر ، والقبط ، ومن أسلم من الروم والهند والسودان ، على كثرتم كلهم ينطقون بلغة واحدة ، وبها يقرءون القرآن ، وقد صار كل من ذكرنا أمة واحدة والحمد لله رب العالمين. فصحت النبوة المذكورة بلا إشكال ، والحمد لله رب العالمين.
وكل ما ذكرنا في هذا الباب أنه يدخل على النصارى الذين يقولون بنبوة «عيسى» عليهالسلام فقط من «الآريوسية» ، و «المقدونية» و «البولقانية» سواء بسواء مع ما في الإنجيل من دعاء المسيح عليهالسلام في قوله : «اللهم ابعث البارقليط ليعلم الناس أن ابن البشر إنسان».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهذا غاية البيان لمن عقل ، لأن المسيح عليهالسلام علم أنه سيغلو قومه فيه ، فيقولون : إنه الله ، وإنه ابن الله ، فدعا الله في أن يبعث الذي يبين للناس أنه ليس إلها ، ولا ابن إله ، وإنما هو إنسان ولد من امرأة من البشر.
__________________
(١) ربا : زاد.