من في البيت مع المحرّق الملعون في أن الكلام اندفع بحضرتهم. وكان المتكلم في ذلك «محمد بن عبد الله الكاتب» صاحبه.
فإن اعترض معترض بقول الله تعالى :
(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [سورة الإسراء : ٥٩].
قيل له وبالله تعالى التوفيق : هذا يخرّج على وجهين ، أحدهما أنّ معنى قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) إنما هو على معنى التبكيت لمن قال ذلك ، وأورد تعالى كلامهم ، وحذف ألف الاستفهام ، وهذا موجود في كلام العرب كثيرا.
والثاني : أنه إنما عنى تعالى بذلك الآيات المشترطة في الرّقيّ إلى السماء وأن يكون معه ملك (١) ، وما أشبه هذا ، وليس على الله تعالى شرط لأحد.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : والقول الأول هو جوابنا ، لأن الله تعالى لا شيء يمنعه عما يريد.
وكذلك إن اعترض معترض بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما من الأنبياء إلّا من قد أوتي ما على مثله آمن البشر ، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحي إليّ ، وإنّي لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا يوم القيامة» (٢).
قيل له وبالله التوفيق : إنما عنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهذا القول آيته الكبرى الثابتة الباقية أبد الآباد التي هي أول معجزته حين بعث وهي القرآن ، لبقاء هذه الآية على الآباد. وإنما جعلها عليهالسلام بخلاف سائر آيات الأنبياء عليهمالسلام ، لأن تلك الآيات يستوي في معرفة إعجازها العالم والجاهل. وأما إعجاز القرآن فإنما يعرفه العلماء بلغة العرب ، ثم يعرفه سائر الناس بإخبار العلماء لهم بذلك. مع ما في التوراة من الإنذار
__________________
(١) وذلك في الشروط التي اشترطها الكفّار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليؤمنوا به ، قال تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) ـ الآيات : ٩٠ ـ ٩٣ سورة الزخرف.
(٢) رواه من حديث أبي هريرة البخاري في فضائل القرآن باب ١ ، والاعتصام بالكتاب والسنّة باب ١. ومسلم في الإيمان (حديث ٣٣٠ ، ٣٣١) وابن ماجة في الزهد باب ٣٦. وأحمد في المسند (٢ / ٣٤١ ، ٤٥١).