قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وبهذا تتآلف الأحاديث. وقد بيّن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذا الحديث أن ما يظهر الدّجال من نهر ماء ونار وقتل إنسان وإحيائه ـ أنّ هذا حيل.
ولكلّ ذلك وجوه إذا طلبت وجدت. فقد تحيّل ببعض الأجساد المعدنية إذا أذيب أنه ماء ، وتحيّل بالنفط الكاذب أنه نار ، ويقتل إنسان ويغطى وآخر معه مخبوء فيظهر ليرى أنه قتل ثم أحيي كما فعل «الحسين بن منصور الحلاج» في الجدي الأبلق ، وكما فعل «الشريعي» و «النميري» بالبغلة ، وكما فعل «زيروب» بالزرزور.
وأنا أدري من يطعم الدجاج الزرنيخ فيخدّر ولا يشك في موتها ثم يصبّ في حلوقها الزيت فتقوم صحاحا.
وإنما كانت معجزة لو أحيا عظاما قد أرمّت ، فيظهر نبات اللحم عليها ، فهذه كانت تكون معجزة ظاهرة لا شك فيها ، ولا يقدر غير نبي عليها البتة يظهرها الله عزوجل على يديه آية له.
وقد رأينا الدّبر (١) يلقى في الماء حتى لا يشك أحد أنها ميتة ، ثم كنا نضعها للشمس فلا تلبث أن تقوم وتطير ، وقد بلغنا مثل ذلك في الذباب المسترخي في الماء إذا ذرّ عليه سحق الآجر الجديد.
وآيات الأنبياء عليهمالسلام لا تكون من وراء حائط ، ولا في مكان بعينه ، ولا من تحت ستارة ، ولا تكون إلّا بادية مكشوفة.
وقد فضحت أنا حيلة «أبي محمد» المعروف بالمحرق في الكلام المسموع بحضرته ولا يرى المتكلم ، وسمت (٢) بعض أصحابه أن يسمعني ذلك في مكان آخر ، أو بحيث الفضاء دون بنيان ، فامتنع من ذلك ، فظهرت الحيلة ، وإنما هي قصبة مثقوبة توضع وراء الحائط على شق خفي ، ويتكلم الذي طرف القصبة على فيه على حين غفلة ممن في المسجد كلمات يسيرة ، الكلمتين والثلاث لا أكثر من ذلك ، فلا يشك
__________________
(١) الدبر (بكسر الدال وسكون الباء) : جماعة النحل والزنابير (المعجم الوسيط : ص ٢٦٩).
(٢) سام الشيء : لزمه ولم يبرح عنه. وسام فلانا الأمر : كلّفه إياه وألزمه به. وسام البائع السلعة : عرضها للبيع وذكر ثمنها (المعجم الوسيط : ص ٤٦٥). ويريد هنا أنه راهنه أو عرض عليه أو ما أشبه ذلك.