نسخ شريعتهم وبطلانها ، ثم ما لا ينكره أحد مؤمن ولا كافر من أنه عليهالسلام حارب يهود بني إسرائيل من «بني قريظة» و «النضير» و «هذل» و «بني قينقاع» وقتلهم وسباهم ، وألزمهم الجزية ، وسمّاهم كفّارا إذا لم يرجعوا إلى الإسلام ، وقبل إسلام من أسلم منهم ، فلو لم يكن دينهم منسوخا ما حل له إجبارهم على تركه ، أو الجزية والصغار ، ولا جاز له قبول ترك ما ترك منهم بدين بني إسرائيل. ومن المحال الممتنع أن يكون عند العيسويين رسولا صادقا نبيا ، ثم يجور ويظلم ويبدل دين الحق. فوضح فساد قولهم وتناقضه بيقين لا إشكال فيه ، والحمد لله رب العالمين.
وهكذا يقال لمن أقر بنبوة بعض الأنبياء عليهمالسلام من فرق الصابئين «كإدريس» وغيره ممن لا يوقن بصحة قولهم فيه «كعادمون» و «اسقلابيوس» و «أيلون» ، وغيرهم. وللمجوس المقتصرين على «زرادشت» فقط : أخبرونا بأي شيء صحت نبوة من تدّعون له النبوة؟ فليس هاهنا إلّا صحة ما أتوا به من المعجزات.
فيقال لهم : فإنّ النقل إلى محمد صلىاللهعليهوسلم في معجزاته أقرب عهدا ، وأظهر صحة ، وأكثر عدد ناقلين ، وأدخل في الضرورة. ولا فرق ولا مخلص لهم من هذا أصلا ، لأنه نقل ونقل ، إلّا أنّ نقلنا أفشى وأظهر وأقوى انتشارا ، ومبدأ هذا مع ذهاب الصّابئين وانقطاعهم ، ورجوع نقلهم إلى من لا يقوم بهم حجة لقلتهم ولعلهم اليوم في جميع الأرض يبلغون أربعين ، وأما المجوس فإنهم معترفون مقرون بأن كتابهم الذي فيه دينهم أحرقه «الاسكندر» ، إذ قتل «دارا بن دارا» ، وأنه ذهب منه الثلثان وأكثر ، وأنه لم يبق منه إلا أقلّ من الثلث ، وأنّ الشرائع كانت فيما ذهب ، فإذ هذا صفة دينهم فقد بطل القول به جملة لذهاب جمهوره ، وإنّ الله تعالى لا يكلف أحدا ما لا يتكفل بحفظه حتى يبلغ إليه. وفي كتاب لهم اسمه «خذاي نامة» يعظمونه جدّا ـ أن «أنوشروان» الملك منع من أن يتعلم دينهم في شيء من البلاد إلّا في «أردشيرخره» و «فسا» من «دارابجرد» فقط ، وكان قبله لا يتعلّم إلا «باصطخر» فقط ، وكان لا يباح إلا لقوم خصائص. وكتابهم الذي بقي بعد ما أحرق «الإسكندر» ثلاثة وعشرين سفرا ـ فلهم ثلاثة وعشرون «هربذا» لكل «هربذ» سفر لا يتعداه إلى غيره. و «موبذ موبذان» يشرف على جميع تلك الأسفار. وما كان هكذا فمضمون تبديله وتحريفه. وكل نقل هكذا فهو فاسد لا يوجب القطع بصحته. هذا إلى ما في كتبهم التي لا يصح دينهم إلّا بالإيمان
__________________
لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ).