الشراة» (١) التي لم تزل تحاربهم طول مدة دولتهم ، وتذيقهم الأمرين إلى انقضاء دولتهم ، ولا ملكوا قط من الفرات ولا على عشرة أيام منه ، بل بين آخر حوز بني إسرائيل إلى أقرب مكان من الفرات إليهم نحو تسعين فرسخا فيها «قنسرين» (٢) و «حمص» (٣) التي لم يقربوا منها قط ، ثم «دمشق» و «صور» (٤) و «صيدا» (٥) التي لم يزل أهلها يحاربونهم ، ويسومونهم الخسف طول مدة دولتهم بإقرارهم ونصوص كتبهم ، وحاش لله عزوجل أن يخلف وعده في قدر دقيقة من سرابه فكيف في تسعين فرسخا في الشمال ونحوها في الجنوب.
ثم قوله : «النهر الكبير» وما في بلادهم التي ملكوا نهر يذكر إلا الأردن وحده ، وما هو بكبير ، إنما مسافة مجراه من بحيرة الأردن إلى مسقطه في البحيرة المنتنة (٦) نحو ستين ميلا فقط. فإن قال قائل : إنما عنى الله بهذا الوعد بني إسماعيل عليهالسلام ، قلنا : وهذا أيضا خطأ ، لأن هذا القدر المذكور هاهنا من الأرض أقل من جزء من مائة جزء مما ملّك الله عزوجل بني إسماعيل عليهالسلام. وأين يقع ما بين مصب النيل عند «تنّيس» وبين الفرات ، و «كابل» (٧) مما يلي بلاد الهند ، ومن ساحل اليمن إلى ثغور «أرمينية» و «أذربيجان» فما بين ذلك والحمد لله رب العالمين.
فكيف وهذه الدعوى باطلة لأن ذلك الكلام بعضه معطوف على بعض ،
__________________
(١) الشراة : جبل شامخ مرتفع من دون عسفان. والشراة أيضا : صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم (المرجع السابق : ص ٧٨٨).
(٢) قنسرين : كانت قنسرين وحمص شيئا واحدا ، وقد فتحت على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة ١٧ ه (معجم البلدان : ٤ / ٤٠٣).
(٣) حمص : بلد مشهور بين دمشق وحلب في نصف الطريق يسمى باسم من أحدثه وهو حمص بن مكنف العمليقي (معجم البلدان : ٢ / ٣٠٣ ، ومراصد الاطلاع : ص ٤٢٥).
(٤) صور : مدينة مشهورة مشرفة على بحر الشام ، افتتحها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (معجم البلدان : ٣ / ٤٣٣ ، ومراصد الاطلاع : ص ٨٥٦).
(٥) صيدا : ويقال «صيداء» : مدينة على ساحل بحر الشام من أعمال دمشق شرقيّ صور ، بينهما ستة فراسخ (معجم البلدان : ٣ / ٤٣٨ ، ومراصد الاطلاع : ص ٨٥٩).
(٦) البحيرة المنتنة : هي بحيرة «زغر» ويقال لها : «المقلوبة» أيضا ، وهي غربي الأردن. ويقال لها المنتنة لأنه لا يعيش بها حيوان ورائحتها في غاية النتن ، وربما هاج في بعض السنين فيهلك مجاوروها (مراصد الاطلاع : ص ١٦٩).
(٧) كابل : مدينة بين الهند ونواحي سجستان في ظهر الغور ، افتتحها المسلمون أيام بني مروان (معجم البلدان : ٤ / ٤٢٦).