أجعل لكم تحت أيديهم سهما لأنهم من بني لوط ، وقد ورثتهم تلك الأرض».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : في هذه الفصول فضائح وسوآت تقشعر من سماعها جلود المؤمنين بالله تعالى العارفين حقوق الأنبياء عليهمالسلام.
فأولها : ما ذكر عن بنتي لوط عليهالسلام من قولهما : «ليس أحد في الأرض يأتينا كسبيل النساء ، تعالي نسق أبانا خمرا ، ونضاجعه ونستبق منه نسلا» فهذا كلام أحمق في غاية الكذب والبرد ، أترى كان انقطع نسل ولد آدم كله حتى لم يبق في الأرض أحد يضاجعهما؟ إنّ هذا لعجب فكيف والموضع معروف إلى اليوم؟ ليس بين تلك المغارة التي كان فيها لوط عليهالسلام مع بنتيه ، وبين قرية سكنى إبراهيم عليهالسلام إلّا فرسخ واحد لا يزيد ، وهو ثلاثة أميال فقط ـ فهذه سوأة.
والثانية : إطلاق الكذاب الواضع لهم هذه الخرافة لعنه الله ـ هذه الطومة (١) ـ على الله عزوجل من أنه أطلق نبيّه ورسوله صلىاللهعليهوسلم على هذه الفاحشة العظيمة من وطء ابنتيه واحدة بعد أخرى.
فإن قالوا : لا ملامة عليه في ذلك لأنه فعل ذلك وهو سكران ، وهو لا يعلم من هما ، قلنا : فكيف عمل إذ رآهما حاملتين؟ وإذ رآهما قد ولدتا ولدين لغير رشدة؟ وإذ رآهما تربيان أولاد الزنى؟
هذه فضائح الأبد ، وتوليد الزنادقة المبالغين في الاستخفاف بالله تعالى وبرسله عليهمالسلام.
والثالثة : إطلاقهم على الله تعالى أنه نسب أولاد ذينك الزنيمين (٢) فرخي الزنى إلى ولادة لوط عليهالسلام ، حتى ورثهما بلدين كما ورث بني إسرائيل وبني عيسو ابني إسحاق سواء بسواء. تعالى الله عن هذا علوا كبيرا.
فإن قالوا : كان مباحا حينئذ. قلنا : فقد صح النسخ الذي تنكرونه بلا كلفة. وقال قبل هذا : «إن إبراهيم إذ أمره الله تعالى بالمسير من حران إلى أرض كنعان أخذ مع نفسه امرأته سارة ، وابن أخيه لوط بن هاران ، وذكروا في بعض توراتهم أنه كلمته الملائكة ، وأن الله تعالى أرسلهم إليه ، فصح بإقرارهم أنه نبي الله عزوجل ، وهم
__________________
(١) كذا في الأصل ، ولم أجدها في كتب اللغة. وهو يريد «الطامّة» والطامّة : الداهية تفوق ما سواها (المعجم الوسيط : ص ٥٦٦).
(٢) الزنيم : الدعيّ ، وهو الملحق بقوم (المرجع السابق : ص ٤٠٣).