وثالثة : قوله لأبيه : صنعت جميع ما قلت لي فاجلس وكل من صيدي فهذه كذبتان في نسق ، لأنه لم يكن قال له شيئا ولا أطعمه من صيده.
وكذبات أخر : وهي بطلان بركة إسحاق إذ قال له «تخدمك الأمم ، وتخضع الشعوب وتكون مولى إخوتك ، ويسجد لك بنو أبيك» ـ وقوله لعيسو : «ولأخيك تستعبد» وهذه كذبات متواليات ، والله ما خدمت الأمم قط «يعقوب» ولا بنيه بعده ، ولا خضعت لهم الشعوب ، ولا كانوا موالي إخوتهم ، ولا سجد لهم ولا له بنو أبيه بل بنو إسرائيل خدموا الأمم في كل بلدة وفي كل أمة ، وهم خضعوا للشعوب قديما وحديثا في أيام دولتهم وبعدها. فإن قالوا سيكون هذا قلنا لهم :
قد حصلتم على الصّغار قديما |
|
والأماني بضائع السخفاء |
هيهات :
ترجّى ربيع أن ستحيا صغارها |
|
بخير وقد أعيا ربيعا كبارها |
لا سيما مع تقضي جميع الآماد التي كانوا ينبئون بأنها لا تنقضي حتى يرجع أمرهم ، واعلموا أن كل أمة أدبرت فإنهم ينتظرون من العودة ، ويمنون أنفسهم من الرجعة بمثل ما تمنّي به بنو إسرائيل أنفسهم ، ويذكرون في ذلك مواعيد كمواعيدهم ، فأمل كأمل ولا فرق ، كانتظار مجوس الفرس «بهرام هماوند» راكب البقرة ، وانتظار الروافض للمهدي ، وانتظار النصارى الذين ينتظرون في السحاب ، وانتظار الصابئين أيضا لقصة أخرى ، وانتظار غيرهم للسفياني.
تمنّ يلذ المستهام بمثله |
|
وإن كان لا يغني فتيلا ولا يجدي |
وغيظ على الأيام كالنار في الحشا |
|
ولكنّه غيظ الأسير على القدّ |
وأما قوله «تكون مولى إخوتك ويسجد لك بنو أبيك» فلعمري لقد صح ضد ذلك جهارا ، إذ في توراتهم أن «يعقوب» كان راعي ابن عمه «لابان» بن ناحور بن لامك وخادمه عشرين سنة ، وأنه بعد ذلك سجد له وجميع ولده حاش من لم يكن خلق منهم بعد لأخيه «عيسو» مرارا كثيرة ، وما سجد «عيسو» قط ليعقوب قط ولا ملك قط أحد من بني يعقوب بني عيسو ، وأن يعقوب تعبد لعيسو في جميع خطاب له ، وما تعبد قط عيسو ليعقوب ، وسأله «عيسو» عن أولاده فقال له يعقوب : هم أصاغر منّ الله بهم على عبدك ، وأن يعقوب طلب رضا «عيسو» وقال له : «إني نظرت إلى وجهك كمن نظر إلى بهجة الله فارض عنّي واقبل ما أهديت إليك» ، وأن عيسو بالحريّ قبل هدية يعقوب حينئذ ، فما نرى عيسو وبنيه إلّا موالي يعقوب وبنيه ، وكذلك ملك بنو عيسو بإقرار