وجعلت جميع إخوته عبيدا ، فرغب إليه عيسو في أن يباركه أيضا ففعل وقال في بركته : «هو ذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك ، وبلا ندى السماء من فوق ، وبسيفك تعيش ، ولأخيك تستعبد ، ولكن يكون حينما تجمح أنك تكسر نيره عن عنقك».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وفي هذا الفصل فضائح وأكذوبات وأشياء تشبه الخرافات.
فأول ذلك : إطلاقهم على نبي الله يعقوب عليهالسلام أنه خدع أباه وغشه ، وهذا مبعد عمن فيه خير من أبناء الناس مع الكفار والأعداء ، فكيف من نبي مع أبيه النبي أيضا؟ هذه سوءات مضاعفات. أين ظلمة هذا الكذب من نور الصدق في قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) [سورة البقرة : ٩].
وثانية : وهي إخبارهم أن بركة يعقوب إنما كانت مسروقة مأخوذة بغش وخديعة وتخابث. وحاش للأنبياء عليهمالسلام من هذا. ولعمري إنها لطريقة اليهود فما تلقى منهم إلّا الخبيث المخادع إلّا الشاذ (١).
وثالثة : وهي إخبارهم أن الله تعالى أجرى حكمه وأعطى نعمته على طريق الغش والخديعة. وحاشا لله من هذا.
ورابعة : وهي التي لا يشك أحد في أن إسحاق عليهالسلام إذ بارك يعقوب إذ خدعه ـ يزعم النذل الذي كتب لهم هذا الهوس إنما قصد بتلك البركة عيسو وله دعا لا ليعقوب ، فأي منفعة للخديعة هاهنا لو كان لهم عقل؟ وما أشبه هذه العقول في هذه القضية بحمق الغالية من الرافضة القائلين : إن الله تعالى بعث جبريل إلى علي فأخطأ جبريل وأتى إلى محمد ، وهكذا بارك إسحاق على عيسو فأخطأت البركة ومضت إلى يعقوب. فعلى كلتا الطائفتين لعنة الله. فهذه وجوه الخبث والغش في هذه القضية.
وأمّا وجوه الكذب فكثيرة جدّا ، من ذلك : نسبتهم الكذب إلى يعقوب عليهالسلام وهو نبي الله تعالى ورسوله في أربعة مواضع :
أولها : قوله لأبيه إسحاق أنا ابنك «عيسو» وبكرك. فهذه كذبتان في نسق لأنه لم يكن ابنه «عيسو» ولا كان بكره.
__________________
(١) أي لا تلقى منهم إلا الخبيث المخادع ، إلا ما شذّ عن ذلك.