ثم ذكر بعد ذلك أمر الله تعالى موسى بأن يأخذ ما حملت الكف من رماد الكانون (١) ويلقيه إلى السماء بين يدي فرعون ليصير غبارا في جميع أرض مصر فيكون في الآدميين والأنعام خراجات ونفاطات (٢) ، فأخذ رمادا من كانون ووقف بين يدي فرعون ورماه موسى إلى السماء وصارت منه نفاطات في الآدميين والأنعام ، ولم تقدر السحرة على الوقوف عند موسى لما كان أصابهم من ألم النفاطات ، وكان مثل ذلك في جميع أرض مصر والسحرة ، فشدّد الله قلب فرعون ، ولم يسمع لهما على حال ما عهد السيّد إلى موسى.
وبعد ذلك قال : إن الله أمر موسى أن يقول لفرعون : غدا هذا الوقت أمطر بردا كثيرا جدّا لم ينزل مثله على مصر من اليوم الذي أسست فيه إلى هذا الوقت ، فابعث واجمع أنعامك وكل من تملكه في الفدّان ، فكل ما أدركه البرد في الفدان ولم يدخل البيوت يموت فمن خاف وعيد السيد من عبيد فرعون أدخل عبيده وأنعامه في البيوت ، ومن استهان بوعيد السيد أبقى عبيده وأنعامه في الفدّان.
وقال السيد لموسى : مدّ يدك إلى السماء لينزل البرد في جميع أرض مصر فمدّ موسى يده بالعصا ، فأتى السيّد بالرّعد والبرد المختلف على الأرض ، ثم أمطر السيّد البرد في جميع أرض مصر مخلوطا بنار ، ولم ينزل بعظمة في تلك الأرض من حين سكن ذلك الجنس فأهلك البرد في جميع أرض مصر كلّ ما ظهر به في الفدادين من الآدميين والأنعام وجميع عشبهما ، وكسر جميع شجرها ، ولم ينزل منه بشيء في أرض قوص حيث كان بنو إسرائيل.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : تأمّلوا هذا الكذب الهجين اللائح. ذكر أولا أنّ موسى أتى بالوباء وأخبر عن الله تعالى أنه قال لفرعون سأهلك مكسبك الذي في الفحوص ، وخيلك وحميرك وجمالك ، وبقرك ، وأغنامك فعمّم جميع الناس ، ما أدخل في البيوت وما لم يدخل ، يعم جميع الحيوان صنفا صنفا ، ثم أخبر : أن جميع دواب المصريين ماتت ولم تمت لبني إسرائيل ولا دابة. ثم ذكر أمر «النفاطات» ثم ذكر أمر «البرد» ، وأن موسى أنذر فرعون عن الله تعالى ، وأمره بإدخال أنعامه في البيوت وأن ما أدرك البرد منها في الفحص يهلك.
__________________
(١) الكانون : الموقد (المرجع السابق : ص ٨٠١).
(٢) الخراجات : جمع خراج ، وهو ما يخرج بالبدن من القروح. والنفّاطات : جمع نفّاطة ، وهي البثرة مملوءة ماء. انظر المعجم الوسيط (ص ٢٢٤ ، و ٩٤١).