(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) [سورة الأعراف : ١٤٨].
وقوله عزوجل :
(فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [سورة طه : ٨٨ ـ ٩٤].
وقوله : (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) [الأعراف : ١٥٠].
فهذا هو الصدق حقا ، إنما عمل لهم العجل الكافر الضالّ السامري ، وأما «هارون» فنهاهم عنه جهده ، وأنهم عصوه ، وكادوا يقتلونه ، وقد تبين الصّبح لذي عينين ، ولاح صدق قوله تعالى من كذب الآفكين.
وأما «الخوار» فقد صح عن ابن عباس ما لا يجوز سواه ، وأنه إنما كان دويّ الريح تدخل من قبله وتخرج من دبره (١) ، وهذا هو الحق لأنه تعالى أخبر أنه لا يكلمهم ، ولو خار من عند نفسه لكان ضربا من الكلام ، ولكانت حياة فيه ، وهو محال ، إذ لا تكون معجزة ، ولا إحالة لغير نبي أصلا. وبالله تعالى التوفيق.
__________________
(١) اختلف المفسرون في كيفية هذا الخوار ، وقد بيّن الفخر الرازي في تفسيره (٨ / ٦ ، ٧) هذه الاختلافات ، فقال : «قال قوم : كان قد أخذ كفّا من تراب حافر فرس جبريل عليهالسلام فألقاه في جوف ذلك العجل فانقلب لحما ودما وظهر منه الخوار مرة واحدة ، فقال السامريّ : هذا إلهكم وإله موسى. وقال أكثر المفسرين من المعتزلة : إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوّفا ووضع في جوفه أنابيب على شكل مخصوص ، وكان قد وضع ذلك التمثال على مهبّ الريح ، فكانت الريح تدخل في جوف الأنابيب ويظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل. وقال آخرون : إنه جعل ذلك التمثال أجوف وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار. قال صاحب هذا القول : والناس قد يفعلون الآن في هذه التصاوير التي يجرون فيها الماء على سبيل الفوارات ما يشبه ذلك ، فبهذا الطريق وغيره أظهر الصوت من ذلك التمثال».