قم واعمل لنا إلها يتقدمنا ، فإننا لا ندري ما أصاب موسى الرجل الذي أخرجنا من مصر. فقال لهم هارون : اقلعوا أقراط الذهب عن آذان نسائكم وأولادكم وبناتكم ، وائتوني بها. ففعلوا ما أمرهم به وأتوه بالأقراط ، فلمّا قبضها هارون أفرغها وعمل لهم منها عجلا ، وقال : هذا إلهكم يا بني إسرائيل الذي أخرجكم من مصر فلما بصر بها هارون بنى مذبحا بين يدي العجل ، وبرح مسمعا : غدا عيد السيد ، فلما قاموا صباحا قربوا له قربانا ، وأهدوا له هدايا ، وقعدت العامة تأكل وتشرب وقاموا للّعب.
ثم ذكر إقبال موسى ، وأنه لما تدانى من المعسكر بصر بالعجل وجماعات تتغنى. وبعد ذلك ذكر أنه قال لهارون : ما ذا فعلت بك هذه الأمة إذ جعلتكم تذنبون ذنبا عظيما؟.
فقال له هارون : لا تغضب سيدي ، فإنك تعرف رأي هذه الأمة في الشر ، قالوا لي : اعمل لنا إلها يتقدمنا لأننا نجهل ما أصاب موسى الذي أخرجنا من مصر ، فقلت لهم : من كان عنده منكم ذهب فليقبل به إليّ وألقيته في النار ، وخرج لهم منه هذا العجل. فلما رأى «موسى» القوم قد تعرّوا ، وكان «هارون» قد عرّاهم بجهالة قلبه ، وصيّرهم بين يدي أعدائهم عراة.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذا الفصل عفا على ما قبله وطم عليه ، أن يكون «هارون» وهو نبي مرسل يتعمد أن يعمل لقومه إلها يعبدونه من دون الله عزوجل وينادي عليه : «غدا عيد السيد» ويبني للعجل مذبحا ، ويساعدهم على تقريب القربان للعجل ، ثم يجردهم ويكشف أستاههم للرقص وللغناء أمام العجل إلا أن تكون أحق أستاه كشفت ، إن هذا لعجب!! نبي مرسل كافر مشرك يعمل لقومه إلها من دون الله ، أو يكون العجل ظهر من غير أن يتعمد «هارون» عمله؟ فهذه والله معجزة كمعجزات موسى ولا فرق. إلّا أنّ هذا هو الضلال والتلبيس ، والإشكال والتدليس المبعد عن الله تعالى ، إذ لو كان هذا لما كان موسى أولى بالتصديق من عابد العجل الملعون. أترى بعد استخفاف النذل الذي عمل لهم هذه الخرافة بالأنبياء عليهمالسلام استخفافا؟ حاشا لله من هذا! أو ترون بعد حمق من يؤمن بأن هذا من عند «موسى» رسول الله وكليمه عن الله تعالى ـ حمقا؟! نحمد الله على العافية.
أين هذا الهوس البارد والكذب المفترى من نور الحق الذي يشهد له العقل بالصحة الذي جاء به «محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الله عزوجل حقا؟»
إذ يقول في هذه القصة نفسها ما لا يمكن سواه :