قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : البلد المذكور باق لم ينقص ولا صغرت أرضه. وحدّه بإقرارهم في الجنوب «غزة» و «عسقلان» و «رفح» وطرف من جبال الشراة ـ بلد «عيسو» ، ولا خلاف بينهم في أنهم لم يملكوا قط قرية فما فوقها من هذه البلاد ، وأنهم لم يزالوا من أول دولتهم إلى آخرها محاربين مرة لبني إسرائيل ومرارا عليهم. وحد ذلك البلد في الغرب : البحر الشامي. وحدّه في الشمال : «صور» و «صيدا» وأعمال «دمشق» التي لا يختلفون في أنهم لم يملكوا قط منها مضرب وتد ، وأنهم لم يزالوا من أول دولتهم إلى آخرها محاربين لهم ، فمرة عليهم ومرة لهم ، وفي أكثر ذلك يملكون بني إسرائيل ويسومونهم سوء العذاب ، ومرة يخرج بنو إسرائيل عن ملكهم فقط ، وحدّ البلد المذكور في الشرق بلاد «موآب» و «عمون» وقطعة من صحراء العرب التي هي الفلوات والرمال ، ولا خلاف بينهم في أن نصّ توراتهم أن الله تعالى قال لموسى وبني إسرائيل : «إلى هنا لا تحاربوا بني «عيسو» ، ولا «بني موآب» ، ولا «بني عمون» فإني لم أورثكم من بلادهم وطأة قدم فما فوقها ، لأني قد ورثت بني عيسو ، وبني لوط هذه البلاد ، كما ورثت بني إسرائيل تلك التي وعدتم بها» ، وأنهم لم يزالوا من أول دولتهم إلى آخرها يحاربونهم ، فمرة يملكهم «بنو عمون» و «بنو موآب» ، ومرة يخرجون عن رقهم فقط ، وطول بلاد بني إسرائيل المذكورة بمساحة الحلفاء المحققة من «عقبة أفيق» ، وهي على أربعة وخمسين ميلا من دمشق إلى طبرية ، ثمانية أميال ، وهي «جبل أفرايم» إلى الطور اثني عشر ميلا ، إلى «اللجون» اثني عشر ميلا ، إلى «علمين» عندهما ينقطع عمل الأردن ، ومبدأ عمل فلسطين ميل واحد ، إلى الرملة نحو أربعين ميلا ، إلى عسقلان ثمانية عشر ميلا. وموضع الرملة هو كان آخر عمل بني إسرائيل. فذلك ثلاثة وسبعون ميلا. وعرضه من البحر الشامي إلى أول عمل جبل الشراة ، وأول عمل موآب ، وأول عمل «عمان» ، نحو ذلك أيضا. وعمل صغير شرقي الأردن يسمى «الغور» فيه مدينة «بيسان» يكون أقل من ثلاثين ميلا في ثلاثين ميلا ولا يزيد ، وكان هذا العمل الذي بشرقي الأردن بزعمهم وقع لبني رؤوبين و «بني جاد» ونصف بني منسى بن يوسف عليهالسلام ، لأنه كان يصلح لرعي المواشي وكان هؤلاء أصحاب بقر وغنم.
فاعجبوا لهذا الكذب الفاحش المفضوح ، وهذا المحال الممتنع أن تكون المسافة المذكورة تقسم أرضها على عدد يكون أبناء العشرين منهم فصاعدا خاصة أزيد من ستمائة ألف فأين من دون العشرين؟ وأين النساء؟ والكل بزعمهم أخذ سهمه من الأرض المذكورة ليعيش من زرعها وثمرتها ، واعلموا أنه لا يمكن البتة أن يكون في