فيا للناس!! كيف يمكن أن يتناسل من ولادة واحد وخمسين رجلا فقط في مدة مائتي عام وسبعة عشر عاما فقط أزيد من ألفي ألف إنسان؟
هذا غاية المحال الممتنع ، لأنه نص في توراتهم : أنه انتسل منهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف رجل كلهم لم يعد فيهم ابن أقل من عشرين سنة. ولعلّ من دون العشرين عاما منهم يقاربون هذا العدد. ثم النساء ولعلهن نحو هذا العدد. فاعجبوا لهذه الفضائح. وقد رام بعض من صككت وجهه من علمائهم بهذه الفضيحة أن يلوذ بهذا الشغب. فقلت : دع عنك هذا التمويه فقد سدّت عليك توراتك كل المذاهب ، لأن فيها ـ بعلمك ـ حيث ذكر خروجهم من مصر ، وحيث ذكر دخولهم إلى الشام ، وحيث ذكر قسمة الأرض عليهم في سفر «يوشع» ذكر أفخاذ قبائلهم ، وتسمية أسباطهم اسما اسما ، فلم يزد على من سمينا ولا واحدا.
فلو كان ما تقول ، لكانت أيضا قد كذبت في هذا الموضع إذ ذكرت بزعمك هذا ، قسمة الأرض ، ورتبة الجيوش ، وأعداد الأسباط بخلاف ما تزعم. فلا بدّ فيها من الكذب المتيقن كيفما تصرفت الحال ، فسكت خاسئا.
فإن قيل : ألم يقل «يعقوب» إذ عرض عليه «يوسف» ابنه «أفرايم» و «منسى» فقال له «يعقوب» : «أفرايم» و «منسى» يكونان لي ، وينسبان إليّ ، ومن ولد لك بعدهما ينسبان إليك؟
قلنا : لا يخلو «يوسف» عليهالسلام من أن لا يكون له ولد غيرهما ممّن أعقب خاصة ، كما نقول نحن ، وتشهد به نصوص توراتكم ، وجميع كتبكم ، أو يكون ليوسف ولد أعقب غير أفرايم و «منسى» ، فلو كان ذلك فكتبكم كلها كاذبة أولها عن آخرها من التوراة فما وراءها. لأنه في كل مكان ذكر فيه رتبة معكسر الأسباط سبطا سبطا وعددهم إذ خرجوا من مصر ، وعددهم إذ دخلوا الشام ، وعددهم إذ أهدوا الكباش والعجول وحقاق الذهب ، وعددهم إذ وقفوا على الجبلين للبركة واللعنة ، وعددهم إذ نقشت أسماؤهم في الفصوص المرتبة على صدر هارون في أزيد من ألف موضع في سائر كتبهم. ولم يذكر ليوسف إلا سبطين فقط ، سبط «منسّى» ، وسبط «أفرايم» فبطل الاعتراض بذلك الكلام المذكور. وبالله التوفيق.
وقد علم كل من يميز من الرجال والنساء أن الكثرة الخارجة من الأولاد لم توجد في العالم لصعوبة الأمر في تربية أطفال الناس ولكون الإسقاط في الحوامل ، ولإبطاء حمل المرأة بين بطن وبطن ، ولكثرة الموت في الأطفال.