إسرائيل فأكلوها ، ودخل اللحم بين أضراسهم ، وأصابهم التخم ، وأخذهم وباء شديد مات منهم به كثير ، وأن هذا كان في الشهر الثاني من السنة الثانية من خروجهم من مصر.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ذكر في هذا الفصل آيات من الله رب العالمين ، وما تأتي له طامة إلّا تكاد تنسي ما قبلها. فأول ذلك : إخبار اللعين المبدل للتوراة بأن الله تعالى إذ قال لموسى : غدا تأكلون اللحم إلى تمام الشهر. قال له موسى : هم ستمائة ألف رجل وأنت تقول : أنا أعطيهم اللحوم طعاما شهرا. أترى تكثر بذبائح البقر والغنم يقتاتون بها ، أو تجمع حيتان البحر معا لتشبعهم؟
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : حاش لله أن يراجع رجل له مسكة عقل ربه عزوجل هذه المراجعة ، وأن يشك في قوته على ذلك ، وعلى ما هو أعظم منه. فكيف رسول نبي؟ أترى «موسى» عليهالسلام دخله قط شك في أن الله تعالى قادر على أن يكثر بذبائح البقر والغنم حتى يشبعهم؟ أو على أن يأتيهم من حيتان البحر بما يشبعهم منه؟ حاش لله من ذلك. أتراه خفي على «موسى» عليهالسلام أن الله تعالى هو الذي يرزق جميع بني آدم في شرق الأرض وغربها اللحم وغير اللحم؟ وأنه تعالى رازق سائر الحيوانات كلها من الطائر والعائم والمنساب ، والماشي على رجلين ، وأربع ، وأكثر ، حتى يستنكر أن يشبع شرذمة قليلة لا قدر لها من اللحم. حاش له من ذلك!! فكيف يقول «موسى» عليهالسلام هذا الكلام الأحمق؟ حاش له من ذلك.
وقبل ذلك بعام وشهر وبعض آخر طلبوا اللحم فأتاهم بالسمانى ، والمنّ ، وأكلوا ذلك بنص توراتهم ، أتراه نسي ذلك في هذه المدة اليسيرة؟ أو يظن أنه قدر على الأولى ويعجز عن الثانية؟ حاش له من هذا الهوس. ثم زيادة في بيان هذا الكذب : أن في توراتهم أن بني إسرائيل إذ خرجوا من مصر مع «موسى» خرجوا بجميع مواشيهم من البقر والغنم ، وأن أهل كل بيت منهم ذبحوا جديا أو خروفا في تلك الليلة.
وذكر في مواضع منها : أنهم أهدوا الكباش والتيوس والخرفان والجديان والبقر والعجول إلى قبة العهد.
وذكروا في آخرها : أن «بني رؤوبين» و «بني جادا» ونصف سبط «بني منسى» كان معهم غنم كثير ، ومن البقر عدد لا يحصى ، في حين ابتداء قتالهم ، وفتحهم لأرض الشام ، فأي عبرة في إشباعهم من اللحم ، واللحم حاضر معهم كثير لا قليل؟ ثلاثة من الغنم كانت تكفي الواحد منهم شهرا كاملا ، وثور واحد كان يكفي أربعة