ثم ولي مكانه «هوسيع بن أيلا» من سبط «جادا» على الكفر وعبادة الأوثان سبع سنين إلى أن أسره كما ذكرنا «سليمان» الأعسر ملك «الموصل» ، وحمله والتسعة الأسباط ، ونصف سبط «منسى» إلى بلاده أسرى وسكّن بلادهم قوما من أهل بلده ، وهم «السامرية» إلى اليوم. و «هوشيع» هذا آخر ملوك الأسباط العشرة. وانقضى أمرهم.
فبقايا المنقولين من «آمد» و «الجزيرة» إلى بلاد بني إسرائيل هم الذين ينكرون التوراة جملة ، وعندهم توراة أخرى غير هذه التي عند اليهود ، ولا يؤمنون بنبي بعد «موسى» عليهالسلام ، ولا يقولون بفضل بيت المقدس ، ولا يعرفونه ، ويقولون : إن المدينة المقدسة هي «نابلس» فأمر توراة أولئك أضعف من توراة هؤلاء ، لأنهم لا يرجعون فيها إلى نبي أصلا ولا كانوا هنالك أيام دولة بني إسرائيل ، وإنما عملها لهم رؤساؤهم أيضا فقد صح يقينا أن جميع أسباط بني إسرائيل حاشا سبط «يهوذا» و «بنيامين» ومن كان بينهم من بني هارون بعد «سليمان» عليهالسلام مدة مائتي عام وواحد وسبعين عاما لم يظهر فيهم قط إيمان ولا يوما واحدا فما فوقه ، وإنما كانوا عباد أوثان ، ولم يكن قط فيهم نبي إلا مخاف ، ولا كان للتوراة عندهم لا ذكر ، ولا رسم ، ولا أثر ، ولا كان عندهم شيء من شرائعها أصلا ، مضى على ذلك جميع عامتهم ، وجميع ملوكهم ، وهم عشرون ملكا ، قد سميناهم إلى أن جاءوا ودخلوا في الأمم وتدينوا بدين الصابئين الذين كانوا بينهم متملكين ، وانقطع اسمهم ورسمهم إلى الأبد فلا يعرف منهم عين أحد ، وظهر يقينا أن «بني يهوذا» و «بني بنيامين» كانت مدة ملكهم بعد موت «سليمان» عليهالسلام أربعمائة سنة غير أعوام على اختلاف من كتبهم في ذلك في بضعة عشر عاما ، وقد قلنا : إنها كتب مدخولة فاسدة. ملك هذين السبطين في هذه المدة من «بني سليمان بن داود» عليهماالسلام تسعة عشر رجلا. ومن غيرهم امرأة تمّوا بها عشرين ملكا ، قد سميناهم كلهم آنفا ، كانوا كفارا معلنين عبادة الأوثان ، حاشا خمسة منهم فقط كانوا مؤمنين ولا مزيد ، وهم «أشا بن أسا» ولي إحدى وأربعين سنة ، وابنه «يهوشافاط» بن «أشا» ولي خمسا وعشرين سنة. فهذه ست وستون سنة اتصل فيهم الدين ظاهرا بعد ثلاث وعشرين سنة اتصل فيها الكفر ظاهرا وعبادة الأوثان ، ثم ثمانية أعوام «ليورام بن يهوشافاط» لم نجد له حقيقة دين ، فحملناه على الإيمان لسبب أبيه. ثم اتصل الكفر ظاهرا وعبادة الأوثان في ملوكهم وعامتهم مائة عام وستين عاما ، مع كفر سائر أسباطهم ، فعمهم الكفر وعبادة الأوثان في أولهم وآخرهم. فأيّ كتاب أو أي دين يبقى مع هذا؟