وذكروا أنه كان لمائدة سليمان عليهالسلام في كل سنة أحد عشر ألف ثور ، وخمسمائة ثور وزيادة ، وستة وثلاثين ألف شاه سوى الإبل والصيد ، فانظروا ما ذا يكفي لحوم من ذكرنا من الخبز؟ وقد ذكروا عددا مبلغه ستة آلاف مدي (١) في العام لمائدته خاصة.
واعلموا أن بلاد بني إسرائيل تضيق عن هذه النفقات. هذا مع قوله : إنه عليهالسلام كان يهدي كل سنة ثلثي هذا العدد من برّ ، ومثله من زيت إلى ملك «صور». فليت شعري!! لأي شيء كان يهاديه بذلك؟ هل ذلك إلّا لأنه كفؤه ونظيره في الملك؟! وهذه كلمات كذبات ، ورعونة لا خفاء بها ، وأخبار متناقضة.
وذكروا : أنه كانت توضع في قصر «سليمان» عليهالسلام كل يوم مائة مائدة ذهب ، على كل مائدة مائة صحفة ذهب ، وثلاثمائة طبق ذهب ، على كل طبق ثلاثمائة كأس ذهب ، فاعجبوا لهذه الكذبات الباردة ، واعلموا أن الذي عملها كان ثقيل الذهن في الحساب مقصرا في علم المساحة ، لأنه لا يمكن أن يكون قطر دائرة الصحفة أقل من شبر ، وإن لم تكن كذلك فهي صحيفة لا صحفة طعام ملك ، فوجب ضرورة أن تكون مساحة كل مائدة من تلك الموائد عشرة أشبار في مثلها لا أقل سوى حاشيتها وأرجلها.
واعلموا أن مائدة من ذهب هذه صفتها لا يمكن البتة أن يحركها إلّا فيل ، لأن الذهب أوزن الأجسام وأثقلها ، ولا يمكن البتة أن يكون في كل مائدة من تلك الموائد أقل من ثلاثة آلاف رطل ذهب ، فمن يرفعها؟ ومن يغسلها؟ ومن يمسحها؟ ومن يديرها؟ فهذا الذهب كله ، وهذه الأطباق من أين؟
فإن قيل : أنتم تصدقون بأن الله تعالى آتاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وأن الله سخّر له الريح والجن والطير ، وعلمه منطق الطير والنمل ، وأن الريح تجري بأمره ، وأن الجن كانوا يعملون له المحاريب والتماثيل ، والجفان ، والقدور. قلنا : نعم ونكفّر من لم يؤمن بذلك ، وبين الأمرين فرق واضح ، وهو أن الذي ذكرت مما نصدّق به نحن هو من المعجزات التي تأتي بمثلها الأنبياء عليهمالسلام داخل كله تحت الممكن في بنية العالم ، والذي ذكروه هو خارج عن هذا الباب داخل في حدّ الكذب والامتناع في بنية العالم.
__________________
(١) لعله «مدّ» وهو مكيال قديم اختلفوا في تقديره. انظر المعجم الوسيط (ص ٨٥٨).