مكتوب أنه يبعث ملائكته لحرزك وحملك في الأكف حتى لا تعثر بقدمك في حجر ، ولا يصيبك مكروه ، فأجابه يسوع وقال له : قد كتب أيضا أن لا تقيس السيد إلهك».
قال أبو محمد : في هذا الفصل عجائب لم يسمع بأطمّ منها.
أولها : إقرار الصادق عندهم بأن إبليس قاد المسيح عليهالسلام مرة إلى جبل منيف وانقاد له ومضى معه ، وقاده مرة أخرى إلى أعلى صخرة ببيت المقدس ، فما تراه إلا ينقاد لإبليس حيث قاده ، ولا يخلو من أن يكون قاده فانقاد له مطيعا سامعا ، فما تراه إلا منصرفا تحت حكم الشيطان وهذه والله منزلة رذلة جدا ، أو يكون قاده كرها فهذه منزلة المصروعين ، الذين يتخبطهم الشيطان من المس ، وحاشا للأنبياء من كلتا الصفتين فكيف إله وابن إله بزعمهم ..؟ وما سمع قط بأحمق من هذا الهوس ، ونحمد الله تعالى على عظيم نعمته. ثم الطامّة الأخرى ، كيف يطمع إبليس عند هؤلاء النّوكى (١) في أن يسجد له خالقه وفي أن يعبده ربه في أن يخضع له من فيه روح اللاهوت ..؟ أم كيف يدعو إبليس ربه وإلهه إلى أن يعبده ..؟ والله إني لأقطع أن كفر إبليس وحمقه لم يبلغا قط هذا المبلغ. فهذه آبدة الدهر. ثم عجب آخر كيف يمنّي إبليس رب الدنيا وخالقها وخالقه ، ومالكها ومالكه ، وإلهها وإلهه في أن يملكه زينة الدنيا ..؟ فهذه كما تقول عامتنا «أعطه من خبزه كسيرة» ما هذه الوساوس التي لا ينطق بها إلّا لسان من حقّه سكنى المارستان ، أو عيّار كافر مستخف بقوم نوكى يوردهم ولا يصدرهم!! ما شاء الله كان.
فإن قالوا : إنما دعا الناسوت وحده وإياه عنى إبليس.
قلنا : فإن اللّاهوت والناسوت عندكم متّحدان بمعنى أنهما صارا شيئا واحدا ، والمسيح عندكم إله معبود وقد قلتم هاهنا : إن إبليس قاد المسيح فانقاد له المسيح ، ودعاه إبليس إلى عبادته والسجود له ، ومنّاه إبليس بملك الدنيا ، وقال للمسيح وقال له المسيح أو قال ليسوع وقال له يسوع ، وعلى قولكم أنه إنما خاطب الناسوت وحده فإنما دعا نصف المسيح ونصف يسوع ، وإنما منّى بزينة الدنيا نصف المسيح ، فقد كذب لوقا ومتى على كل حال ، وأهل الكذب هما ، فكيف ونص كلامهما ـ جذّت ألسنتهما في لظى ـ يمنع من هذا ..؟ ويوجب أن إبليس إنما دعا اللاهوت لأنه قال له :
__________________
(١) النوكى : جمع أنوك ، وهو الأحمق. والأنوك : العييّ في كلامه. والأنوك : العاجز الجاهل (المعجم الوسيط : ص ٩٦٤).