يضيفوا الكذب إلى المسيح جهارا إذ أخبر أنه لم يأت لنقض التوراة ثم نقضها ، فصح أنه أتى لما أخبر أنه لم يأت له من نقضها ، وهذا كذب لا مرحل عنه. ولا بدّ لهم من أن يقروا أن المسيح مسخوط ، يدعى في ملكوت السموات صغيرا لا عظيما لأنه هكذا أخبر عن من حلّل عهدا صغيرا من عهودها ، وهو قد حل عهودا كبارا من عهودها ، إذ حرم الطلاق وقد أباحته التوراة ونهى عن القصاص الذي جاءت به التوراة وقال قد قيل : العين بالعين ، والسن بالسن ، وأنا أقول لا تكافئوا أحدا بسيئة ، ولكن من لطم خدك الأيمن فانصب له الآخر.
قال أبو محمد : ولا بد لهم من أن يشهدوا على أنفسهم أولهم على آخرهم ، وسالفهم عن خالفهم بمعصية الله تعالى ومخالفة المسيح ، وأنهم يدعون في ملكوت السموات صغارا ، إذ نقضوا حكم التوراة ، أولها عن آخرها ، ولا يمكنهم هاهنا دعوى النسخ البتة ، لأنهم حكوا كما أوردنا عن المسيح أنه قال : أقول لكم : إلى أن تبيد السماء والأرض لا تبيد «يا» واحدة ولا حرف واحد ، من التوراة حتى يتم الجميع. فمنع من النسخ جملة ، وإن في هذا لعجبا لا نظير له ، وحمقا وضلالا ما كنا نصدق بأن أحدا يدين به ، لو لا أنا شاهدناهم ونسأل الله السلامة.
ثم ذكر في الباب الثامن عشر من إنجيل متى أن المسيح قال للحواريين الاثني عشر بأجمعهم وفي جملتهم يهوذا الاشكريوطا (١) الذي دل عليه اليهود برشوة ثلاثين درهما : كل ما حرمتموه على الأرض يكون محرما في السماء ، وكل ما حللتموه على الأرض يكون محللا في السماء.
وفي الباب السادس عشر من إنجيل متّى أنه قال هذا القول لباطرة وحده.
قال أبو محمد : وهذا تناقض عظيم ، كيف يكون التحليل والتحريم للحواريين ، أو لباطرة مع قوله إنه لم يأت لتبديل التوراة لكن لإتمامها ..؟ وأنه من نقض عهدا من عهودها صغيرا دعي في ملكوت السموات صغيرا ، وأن السماء والأرض تبيدان قبل أن تبيد من التوراة «يا» واحدة أو حرف واحد ، ولئن كان صدق في هذا فإن في نص التوراة أن الله قد لعن من صلب في خشبة ، وهم يقولون إنه صلب في خشبة ، ولا شك في أن باطرة وشمعون أخوا يوسف ، وأندرياش أخو باطرة ، وفليش وبولش صلبوا في الخشب. فعلى قول المسح عليهالسلام لا يبيد شيء من التوراة حتى يتم جميعها ،
__________________
(١) أو : الأسخريوطي.