فإن كانوا مؤمنين فقد كذب المسيح فيما وعدهم به في هذه الفصول جهارا ـ وحاشا له من الكذب ـ وما منهم أحد قط قدر على أن تأتمر له ورقة ، فكيف على قلع جبل وإلقائه في البحر؟!
وإن كانوا غير مؤمنين به فهم بإقرارهم هذا ، كفار ، ولا خير في كافر ، ولا يجوز أن يصدّق كافر ، ولا أن يؤخذ الدّين عن كافر.
ولا بدّ لهم من أن يجيبوا إذا سألناهم : أفي قلوبكم مقدار حبة خردل من إيمان أم لا؟ وتؤمنون بالمسيح أم لا؟
إن قالوا : نعم. نحن مؤمنون به ، والإيمان في قلوبنا.
قلنا : فقد كذب المسيح يقينا فيما أخبر به من أنّ من آمن به وفي قلبه مقدار حبة خردل من إيمان يأمر الجبل بأن ينقلع فينقلع ، والله ما فيكم أحد يقدر على تيبيس شجرة بدعائه ، ولا على قلع جبل من موضعه.
وإن قالوا : ليس في قلوبنا قدر حبة خردل من إيمان ، ولا نحن مؤمنون به. قلنا : صدقتم والله حقا. وشهدوا على أنفسهم (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [سورة الأعراف : ٥٣] صدق الله عزوجل ، وأنبياؤه عليهمالسلام ـ وكذب «متّى» و «باطرة» و «يوحنّا» و «مارقش» و «لوقا» ، وسائر النصارى الكذّابين.
ولقد قلت هذا لبعض علمائهم فقال : إنما عنى شجرة الخردل التي تعلو على جميع الزراريع حتى يسكن الطير فيها.
فقلت له : لم يقل في الإنجيل مثل شجرة الخردل ، إنما قال مثل حبة الخردل ، وقد وصفها وصفها المسيح بإقرارهم بأنها أصغر الزراريع.
وأيضا : فإنه ليس إلا مؤمن أو كافر. وأمّا الشّاك : فإنه متى دخل الإيمان شكّ بطل ، وحصل صاحبه في الكفر ، فكيف ولم يدعنا المسيح بإقرارهم في شكّ من هذا التأويل الفاسد ، بل زعموا أنه قال لهم : «لتشكككم لئن كان لكم إيمان قدر حبة خردل لتقولن للجبل ...».
وقال في إنجيل يوحنا كما أوردنا : «لئن آمنتم ولم تشكّوا ...» فإنما أراد بيقين بهذه النصوص : التصديق الذي هو خلاف الشك ، لا غاية العمل الصالح.
وقال كما أوردنا في إنجيل يوحنا : «من آمن بي سيفعل الأفاعيل التي أفعل أنا» فعن هذا الإيمان به سألناكم : أفي قلوبكم هو أم لا؟