وفي هذا إثبات الكذب على المسيح ، واتفاقهم كما أوردنا على أنه أخبرهم بأنه يقتل ، واتفاقهم كلهم على أنه لم يقتل ، وهذه سوأة جدّا. وحاشا لله أن يكذب نبيّ أو ينذر بباطل. هذه علامة الكذابين ، لا علامة أهل الصدق.
وثانيها : اتفاق الأناجيل المذكورة ـ كما أوردنا ـ على أنه قال : «ويقوم في الثالث». ثم اتفقت الأناجيل كلها على أنه «لم يحي» ولا قام إلّا في الليلة الثانية ، وأنه دفن في آخر يوم الجمعة مع دخول ليلة السبت وحسبك أنهم ذكروا أنه لم يحنط استعجالا لئلا تدخل عليهم ليلة السبت ، وأنه قام ليلة الأحد قبل الفجر ، وهذه كذبة ثالثة فاحشة نسبوها إلى المسيح ، وحاشا له من مثلها.
وكذبة ثالثة : وهي إخبار (متّى) أنهم فهموا مراده بهذا القول ، وأنهم حزنوا حزنا شديدا لذلك ، وأنّ «باطرة» قال له : «تعفى عن هذا يا سيدي ، ولا يصيبك منه شيء». وإخبار «مارقش» و «لوقا» أنهم لم يفهموا مراده بهذا الكلام ، وهذا كذب فاحش لا يجوز أن يقع من صادقين ، فكيف من معصومين؟! فلاح يقينا عظيم كذب الذين وضعوا هذه الأناجيل ، وأنهم كانوا فسّاقا لا خير فيهم. وبالله تعالى التوفيق.
فصل
وفي الباب السابع عشر من إنجيل متّى : أن المسيح قال لتلاميذه : «لئن كان لكم إيمان على قدر حبّة الخردل ، لتقولن للجبل ارحل من هنا فيرحل ، ولا يتعاصى عليكم شيء» وقبله متصلا به أن تلاميذه عجزوا عن إبراء رجل به جن ، وأن المسيح أبرأه ، وأن تلاميذه قالوا له : لم عجزنا نحن عن برائه؟ قال : تشكّككم.
وفي الباب الحادي عشر من إنجيل متّى : أنّ المسيح دعا على شجره تين خضراء فيبست من وقتها. فعجب التلاميذ ، فقال لهم المسيح : «آمين أقول لكم ، لئن آمنتم ولم تشكّوا ليس تفعلون هذا في التينة وحدها ، لكن متى قلتم لهذا الجبل : انقلع واطّرح في البحر ، لم يقف لكم».
وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا : أن المسيح قال لتلاميذه : «من آمن بي سيفعل الأفاعيل التي أفعلها أنا ، وسيفعل أعظم منها».
قال أبو محمد : في هذه الفصول ثلاث طوام من الكذب عظيمة.
لا يخلو التلاميذ المذكورون ثم هؤلاء الأشقياء بعدهم إلى اليوم ، من أن يكونوا مؤمنين بالمسيح عليهالسلام أو غير مؤمنين ، ولا سبيل إلى قسم ثالث.