فقال لهم المسيح : أما قد كنت في كتابكم الزبور حيث يقول : أنا قلت : أنتم آلهة ، وبنو العلي كلكم ، فإن كان اسمي : الله الذي كلمهم آلهة ـ ولا سبيل إلى تحريف الكتاب ولا تبديله ـ فلم تقولون فيمن بارك الله عظيم ، وبعثه إلى الدنيا إنه شتم. إذا قلت إني ابن الله ، إني كنت لا أفعل أفعال أبي فلا تصدقوني ، إلى قوله : لتعلموا أني الأب ، والأب مني.
وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا : أن فيلتش الحواري قال للمسيح : يا سيدنا أرنا الأب ، ويكفينا. فقال له المسيح : طول هذا الزمان كنت فيكم ولا تعرفوني ، من رآني فقد رأى الأب ، فكيف تقول أنت : أرنا الأب؟ أليس تؤمن أنّي أنا في الأب ، وأن الأب هو فيّ؟ فكيف هذا ..؟!! مع قول يوحنا الذي ذكرنا في أول إنجيله إن الأب لم يره أحد قط.
فصل
وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا المذكور أن المسيح قال لتلاميذه : أنا في أبي وأنتم فيّ ، وأنا فيكم.
قال أبو محمد : إذا كان هو الأب ، والأب فيه ، وهو في التلاميذ ، والتلاميذ فيه فالأب في التلاميذ ، والتلاميذ في الأب ضرورة. فأيّ مزية له عليهم ، وهل هو وهم إلا سواء في كونه وكونهم في الله ، وكون الله فيهم وفيه؟
ثم هذا الكلام لا يعقل ولا يفهم منه إلا الاستخفاف والكفر فقط ، لأنه إذا كان فيهم بذاته فقد صاروا له مكانا ، وصار تعالى محدودا ، وهذه صفة المحدث ، فإن كان فيهم بتدبيره فهكذا يدبر في كل حي وميت ، وكل جماد ، وكل عرض. ولا فرق. ولا فضيلة في هذا أصلا إلّا الضلال.
فصل
وفي الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال لهم : لست أسميكم بعد عبيدا لأن العبد لا يدري ما يصنع سيده ، وقد سميتكم إخوانا.
ففي أحد هذين الفصلين : أن التلاميذ قد عتقوا من عبودية الباري عزوجل ، وأنهم إخوانه ، وهو خرج من الله ، ومنه انبثق ، فهم كذلك أيضا فأيّ مزية له عليهم؟ مع سخف هذا الكلام ، وأنه لا يدرى لهذا الانبثاق معنى أصلا ، والانبثاق لا يكون إلّا من الأجسام ضرورة.